وحينئذ فكيف يمكن القول بالتضاد بين الوجوب والاستحباب، وكذابين الحرمة والكراهة؟! مع أن القائل يدعي تضاد الأحكام بأسرها - نقول: إنه لو سلم الاختلاف في جميع الأحكام وقطعنا النظر عن عدم اختلاف حقيقة الوجوب والاستحباب وكذا الحرمة والكراهة، فلا نسلم التضاد بينها، لأن ثبوته مبني على أن يكون متعلق البعث والزجر هو الوجود الخارجي، إذ لو كان متعلقهما هي الطبائع والماهيات الكلية، كما عرفت بما لا مزيد عليه أنه هو مقتضى التحقيق، فهما لا يكونان بمتضادين أيضا، لأن الماهية قابلة لاجتماع العناوين المتضادة فيها، ولإتصافها بكل واحد منها في زمان واحد.
ألا ترى أن ماهية الإنسان موجودة ومعدومة في زمان واحد، كما عرفت، وكذا ماهية الجسم متصفة بالسواد والبياض معا في زمان واحد.
فظهر أنه لو كان متعلق البعث والزجر هي طبيعة واحدة، فاستحالته ليس من جهة لزوم اجتماع المتضادين على شئ واحد، بل من جهة أمر آخر، وهو لزوم التكليف بالمحال من جهة عدم القدرة على الامتثال، وإلا يلزم عدم إمكان تعلق البعث والزجر بطبيعة واحدة ولو من ناحية شخصين، كما أنه لا يعقل تحقق البياض والسواد واجتماعهما على موجود خارجي مطلقا ولو كان له علتان، ومن الواضح في المقام خلافه.
وبالجملة، فعلة ثبوت التضاد بين شيئين إنما هو عدم اجتماعهما على الموجود الخارجي الواحد، وإلا يلزم عدم تحقق التضاد أصلا، لما عرفت من أن الماهية قابلة للاتصاف بجميع العناوين المتضادة في زمان واحد، وقد عرفت أن متعلق البعث والزجر ليس هو الوجود الخارجي بمعنى أنه لا يعقل أن يصير الموجود في الخارج مبعوثا إليه ومزجورا عنه أصلا.
وإن كان الحكم عبارة عن الأمر الاعتباري المنتزع عن البعث والزجر،