وإن كان مدخوله لا يدل إلا على نفس الطبيعة، كما ذكرنا، ويعبر عنها بألفاظ العموم، فقوله: أكرم كل إنسان، يفيد وجوب إكرام جميع ما يصدق عليه الإنسان، ويتحد معه في الخارج، وهذا المعنى يستفاد من كلمة " كل " وأما الإنسان فقد عرفت أنه لا يحكي إلا عن نفس الطبيعة.
الأمر الثاني: في الفرق بين العام والمطلق ثم لا يخفى أن معنى العموم - كما عرفت - يرجع إلى دلالة الألفاظ الموضوعة له عليه بالدلالة اللفظية، نظير جميع الدلالات اللفظية، وأما الإطلاق - كما عرفت سابقا - فهو يرجع إلى أن المتكلم العاقل المختار إذا صار بصدد بيان جميع ماله دخل في موضوع حكمه ولم يأخذ إلا ما نطق به وسمعه المخاطب يستفاد من ذلك كون المذكور هو تمام الموضوع لحكمه، ولا مدخلية لشئ آخر أصلا، وهذه الدلالة ليست من باب دلالة الألفاظ على معانيها، ضرورة أن قوله: أعتق رقبة، لا يدل إلا على وجوب عتق الرقبة واستفادة الإطلاق بالنسبة إلى الرقبة إنما هي من باب حكم العقل بأن المتكلم الكذائي الذي بصدد البيان محكوم بظاهر كلامه، لأنه لو كان شئ آخر دخيلا في موضوع حكمه، لكان اللازم عليه أن يذكر، فهي نظير دلالة الفعل الصادر من العاقل المختار على كون صدوره عن اختيار وإرادة، ودلالة التكلم على كون مضمون الكلام مقصودا للمتكلم، وحينئذ فباب الإطلاق لا ربط له بباب العموم أصلا، فما وقع من كثير منهم من أن العموم قد يستفاد من جهة الوضع، وقد يستفاد من القضية عقلا، وقد يستفاد من جهة الإطلاق مع وجود مقدماته ليس على ما ينبغي، لأن المستفاد من مقدمات الحكمة إنما هو الإطلاق لا العموم، فهو قسيم له لا أنه قسم منه، كما عرفت.