المقننين لها إنما هو على هذا النحو الذي عرفت، لأن بناءهم على جعلها ليعمل بها الأفراد، وأكثرها خالية عن المخاطبة، والقانون الإسلامي المجعول في شريعتنا إنما هو على هذا النحو مع خصوصية زائدة، وهو عدم إمكان المخاطبة فيه بالنسبة إلى الناس، ضرورة عدم قابلية البشر العادي لأن يصير مخاطبا لله تعالى، إذ طريق ذلك الوحي، وهو منحصر بالأنبياء العظام (عليهم السلام) وباقي الناس أبعد من هذه المرحلة بمراحل، وإظهار الوحي الجاري بلسان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما هو على طريق التبليغ لا بنحو المخاطبة، فالخطاب بنحو * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (1) مثلا لا يكون المخاطب فيها أحد من المؤمنين أصلا، بل إنما هو خطاب كتبي حفظ بالكتب ليعمل به كل من نظر إليه، نظير الخطابات الواقعة في قوانين العقلاء المكتوبة المنتشرة بين الناس ليطلعوا عليها فيعملوا بها.
ومن هنا يظهر: أن هذه الخطابات الواقعة في الشريعة لا تشمل الحاضرين أيضا بنحو يكونوا هم المخاطبين فضلا عن أن تكون منحصرة بهم أو عامة لجميع المكلفين، والتعبير بالخطابات الشفاهية أيضا مسامحة، لما عرفت من عدم كون واحد من المكلفين مخاطبا بها أصلا، بل إنما هي قوانين كلية بصورة المخاطبة أوحى الله تعالى بها نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بلغها إلى الناس كما أنزلت على قلبه (صلى الله عليه وآله وسلم).
تنبيه: في كيفية القوانين الواردة في الشريعة وتلخص مما ذكرنا أن القوانين الواردة في الشريعة على قسمين: قسم لا يكون مشتملا على الخطاب، بل إنما جعل الحكم على العناوين الكلية، مثل:
وجوب الحج الموضوع على عنوان المستطيع، وقسم يشتمل على الخطاب، مثل