بكونها متصورة بالتصور الأولي، إذ التصور الأول إنما تعلق بنفس الطبيعة فقط، ولا يعقل أن يتعلق بها مع وصف كونها متصورة بهذا التصور، كما هو واضح.
وكيف كان فلا إشكال في كون المعروض لوصف الكلية والاشتراك ونحوهما إنما هي الطبيعة المجردة عن الوجود العيني والذهني، وإنما الإشكال في متعلق الأحكام وأنه هل متعلقاتها هي نفس الطبائع مع قطع النظر عن الوجودين وإن كان ظرف التعلق الذهن، نظير الكلية المعروضة لها في الذهن ولكن لم يكن ذلك مأخوذا على نحو القضية الشرطية، بل على نحو القضية الحينية، وإلا لما كان يعرض لها بمجرد تصورها ووجودها في الذهن، إذ لا يمكن في هذا اللحاظ تصور تعلق اللحاظ بها أيضا، كما هو واضح، أو أن متعلقات الأحكام هي الطبائع المتصفة بالوجود الذهني، أو أن متعلقاتها هي الطبائع المنصبغة بصبغة الوجود الخارجي؟ وجوه.
والتحقيق يقضي بأن معروض الأحكام هو بعينه معروض الكلية والاشتراك ونحوهما من لوازم نفس الماهيات مع قطع النظر عن الوجودين، وذلك لأنه لو كانت الأحكام متعلقة بالطبائع مع اتصافها بوجودها في الذهن، لكان امتثالها ممتنعا، إذ لا يعقل انطباق الموجود في الذهن بوصف كونه موجودا فيه على الخارج، لأنه أيضا نظير الموجودات الخارجية يكون جزئيا ومتشخصا، ولازمه الإباء عن الصدق، كما هو واضح.
ولو كانت الأحكام موضوعاتها هي الطبائع الموجودة في الخارج يلزم أن يكون تحققها متوقفا على وجودها في الخارج، إذ لا يعقل تقدم الحكم على متعلقه، ومن الواضح أن الغرض من البعث مثلا إنما هو انبعاث المكلف بعد العلم به وبما يترتب على مخالفته من استحقاق العقوبة وعلى موافقته من استحقاق المثوبة ويتحرك عضلاته نحو المبعوث إليه، فالبعث متقدم على الانبعاث