الماهية المتصفة بوصف الوجود الكلي (1)، غفلة وذهول عن فهم مرادهم من هذا القول، فإن مرادهم منه - كما هو صريح كلامهم - أن الماهية في مرتبة ذاتها لا يكون الوجود محمولا عليها بالحمل الأولي، وكذا العدم بمعنى أنهما لا يكونان عين ذات الماهية ولا جزءها، وهكذا المطلوبية واللا مطلوبية، والكلية والجزئية، والوحدة والكثرة، وجميع الصفات المتضادة أو المتناقضة، فإنها بأجمعها منتفية عن مرتبة ذات الماهية، ولا يكون شئ منها عين الماهية ولا جزءها، وإلا فكيف يمكن أن يرتفع عنها المتناقضان وكذا الضدان لا ثالث لهما في مقام الحمل الشائع الصناعي، وحينئذ فلا منافاة بين أن لا يكون وصف الكلية مأخوذا في ذاتيات الماهية بحيث يكون عينها أو جزءها وبين أن يكون المعروض له هي نفس الماهية مع قطع النظر عن الوجودين، كما هو مقتضى التحقيق، ضرورة أنه بمجرد تصورها مجردة عن كافة الوجودات ينتقل الذهن إلى أنها كلية غير آبية عن الصدق.
وهكذا مسألة تعلق الأحكام بنفس الطبائع لا تنافي كونها خارجة عن مرتبة ذاتها، فالاستدلال لنفي تعلقها بنفس الطبائع بهذه القاعدة الغير المرتبطة بهذه المسألة أصلا في غير محله.
وكيف كان فلا مناص إلا عن الالتزام بما ذكرنا من أن متعلقات الأحكام هي نفس الطبائع، ضرورة أن البعث إنما هو لغرض إيجاد مالم يكن موجودا بعد، ومن المعلوم أنه ليس هنا شئ كان متصفا بالعدم قبل إيجاد المكلف، فصار متصفا بالوجود بعد إيجاده، إلا الماهية المحفوظة في كلتا الحالتين، لأن الوجودين:
العيني والذهني لا ينقلبان عما هما عليه، كما هو واضح.