ومنه انقدح فساد ما في الكفاية من كون المطلوب في باب النواهي هو العدم لا الكف (1)، إذ ليس وجه استحالة تعلق الطلب به كونه خارجا عن تحت القدرة والاختيار حتى يرد بما ذكر فيها، بل الوجه فيها أنه ليس بشئ ولا حقيقة له حتى صار لسببها مطلوبا ومرادا.
في منشأ الفرق بين مرادي الأمر والنهي ثم إنه لا إشكال عند العقلاء في ثبوت الفرق بين الأوامر والنواهي بكفاية الإتيان بفرد من الطبيعة المأمور بها في تحقق امتثال الأمر المتعلق به وسقوطه، لحصول الغرض، وهو تحققها بإيجاد فرد منها في الخارج، وأنه لا يحصل الغرض بتمامه إلا بترك جميع أفراد الطبيعة المنهي عنها في باب النواهي، إنما الإشكال في وجه الفرق، فقد يقال بأن الحاكم به إنما هو العقل، نظرا إلى أن وجود الطبيعة إنما هو بوجود فرد واحد، وعدمها لا يكاد يتحقق إلا بعد انعدام جميع الأفراد (2).
هذا، ولكن لا يخفى: أن هذا الكلام بمعزل عن التحقيق، فإن معنى تحقق الطبيعة بوجود فرد ما كون كل واحد من الأفراد هو تمام تلك الطبيعة، ولا ينقص عنها أصلا، إذ لو كانت الطبيعة متحصصة بحصص عديدة حسب تعدد الأفراد، لكان وجودها في الخارج متوقفا على وجود جميع الأفراد، لكي يتحصل جميع الحصص، فوجودها بوجود فرد واحد مساوق لكون كل فرد تمام طبيعته، فزيد تمام الإنسان، وكذا عمرو، وبكر، فإذا كان وجود زيد كافيا في وجود حقيقة