وثانيا: أن كلامنا إنما يكون في الحلية والحرمة بعد الغليان لا قبله، وفي استصحاب الحلية إلى ما بعد الغليان، للشك في أن الغاية ثابتة للعصير الزبيبي كما هي ثابتة للعنبي أو لا.
ثم إن شيخنا العلامة أعلى الله مقامه سلك مسلكا آخر بعد الإشكال على الحكومة: وهو أن الأصل السببي يتقدم على الأصل المسببي طبعا، وهذا وجه آخر لتقدمه عليه غير الحكومة.
قال رحمه الله في وجه تقدمه: إن الشك الثاني معلول للأول، ففي رتبة وجود الأول لم يكن الثاني موجودا، وإنما هو في رتبة الحكم المرتب على الأول، فالأول في رتبة وجوده ليس له معارض، فيحرز الحكم من دون معارض، وإذا ثبت الحكم في الأول لم يبق للثاني موضوع، وجعل هذا وجه تقدم الاستصحاب التعليقي على التنجيزي (1).
وفيه أولا: أن تقدم العلة على المعلول إنما هو تقدم عقلي يدركه العقل من صدور المعلول عن العلة، فيحكم بأن العلة وجدت فوجد المعلول، وأما في الخارج فالعلة مع المعلول لا يتقدم أحدهما على الآخر، ولا إشكال في أن مثل: (لا تنقض اليقين بالشك) يكون موضوعه الشك بوجوده الخارجي، ولا تأثير للتقدم العقلي والرتبي في موضوعية الموضوع، فلا يتقدم موضوع أحدهما على الآخر بحسب موضوعيته للحكم، وهو الوجود الخارجي، مع أنه لو فرض تقدم أحدهما على الآخر في الخارج لا يتقدم في جريان الأصل.
وثانيا: أن التعارض بالذات إنما هو بين التعبد بالأثر الشرعي للأصل الحاكم مع مفاد الأصل المحكوم، وهما في رتبة واحدة.
مثلا: لو شك في نجاسة الثوب المغسول بماء لأجل الشك في كريته لا يكون بين