تقدم الأصل السببي على المسببي في محله (1).
والتعارض أولا وبالذات واقع بين استصحاب نجاسة الثوب والتعبد بطهارته، لا بين استصحاب النجاسة وبين كرية الماء، لعدم التضاد بينهما إلا بلحاظ هذا الأثر الشرعي، فجريان استصحاب الكرية لو لم يكن اثره الشرعي هو التعبد بطهارة الثوب المغسول به لما رفع الشك عن المسبب، كما أنه لو فرض حجية الأصل المثبت يتعارض الأصل المسببي مع السببي، لأن كلا منهما يرفع موضوع الآخر بالتعبد بلازمه، فتقدم الأصل السببي لرفعه الشك عن المسبب، دون العكس.
وأما لو فرض أن الأصل الجاري في السبب يكون لازمه العقلي - الأعم من الواقعي والظاهري - نفي حكم المسبب للتدافع والتضاد بين الحكمين، فلا وجه لتقدم أحدهما على الآخر، لأن استصحاب الحرمة والتعبد ببقائها كما أنه مضاد للحلية، كذلك استصحاب الحلية والتعبد ببقائها مضاد للحرمة بالذات، وللاستصحاب التعليقي لأجله، فلا وجه لحكومة أحدهما على الآخر.
هذا مضافا: إلى أن ما أفاده في " الكفاية " من عدم المعارضة بين بقاء الحلية المغياة، والحرمة المشروطة في صورة القطع فضلا عن استصحابهما (2).
ففيه أولا: أن القطع بالحلية المغياة يوجب القطع بانتفاء الحلية ما بعد الغاية، لأنه لازم عقلي لثبوت الحكم المغيي، وأما استصحاب الحلية المغياة فلا يثبت الحرمة بعد الغاية، فاستصحاب الحلية المغياة مما لا يجري، لأن إجراءه إن كان لإثبات الحلية قبل الغليان فهي قطعية، وإن كان لإثبات الحرمة ونفي الحلية بعد الغليان، فلا يثبتهما إلا بالأصل المثبت، لأن الحرمة بعد الغاية ليست من الآثار الشرعية للحلية المغياة، ولا من اللوازم الأعم.