فيرى العقل أن الظلم قبيح لا يصدر منه تعالى وأن العدل حسن لا يتركه، فكما أن العقل يدرك الواقعيات ويسمى عند أهل المعقول بالعقل النظري، فكذلك يدرك ما يتعلق بالنظام من قبح الظلم وحسن العدل ويسمى بالعقل العملي. فلا يرد عليه اشكال المحقق النائيني، لان حكم العقل بالحسن أو القبح لا يمكن أن يكون مهملا، فان العقل لا يحكم بحسن شئ إلا مع تشخيصه بجميع قيوده، وكذلك القبح.
والظاهر أن مراد الشيخ " ره " هو الثاني على ما ذكره في تنبيهات الاستصحاب، فلا يرد عليه ما ذكره المحقق النائيني (ره).
وأما الاشكال على المقدمة الثانية، فبيانه - على ما ذكره صاحب الكفاية والمحقق النائيني - أنه لو سلم إدراك العقل ملاك الحكم الشرعي بحيث يكون حكمه بوجود الملاك دائرا مدار جميع القيود وينتفي بانتفاء أحدها، لا يلزم من انتفاء الحكم العقلي انتفاء الحكم الشرعي، لامكان بقاء ملاك الحكم الشرعي في الواقع، فان انتفاء ما يراه العقل ملاكا للحكم الشرعي لا يوجب انتفاء الملاك الواقعي له.
وبعبارة أخرى الملازمة بين الحكم الشرعي والحكم العقلي إنما هي بحسب مقام الاثبات دون مقام الثبوت، لان العقل كاشف عن وجود الملاك للحكم الشرعي، وبعد انتفاء حكم العقل بانتفاء بعض القيود ترتفع كاشفية العقل، ويحتمل بقاء الملاك الواقعي للحكم الشرعي، لان الشرع قد حكم بأمور كثيرة لا يدرك العقل ملاكها أصلا، كتقبيل حجر الأسود، وحرمة الارتماس في شهر رمضان، وغيرهما من التعبديات. مضافا إلى ما في الكفاية من أنه لو سلمنا - انتفاء الملاك الواقعي الذي أدركه العقل - يحتمل بقاء الحكم الشرعي، لاحتمال وجود ملاك آخر لنفس هذا الحكم، فنجري الاستصحاب في الحكم الشرعي الشخصي لا في الملاك حتى يكون من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي. وهذا الاشكال لا دافع له.