تفحص عن الموافقة والمخالفة. وأما مع العلم بالمخالفة (فتارة) تكون المخالفة بينهما بالتباين، بأن يكون الصحيح عند أحدهما فاسدا عند الآخر. ولا مجال للحمل على الصحة في مثله، إذ مفاد أصالة الصحة هو الحمل على الصحة عند الحامل، لعدم ترتب الأثر على الصحة عند العامل على ما ذكرناه. والحمل على الصحة عند الحامل يكون حملا على الفساد عند العامل، فيكون مخالفا لظاهر حاله. و (أخرى) لا تكون المخالفة بينهما بالتباين، كما إذا رأى أحدهما اشتراط العمل بشئ، والآخر عدم اشتراطه به لا كونه مانعا كما في تثليث التسبيحات الأربعة، فيرى أحدهما اعتباره في الصلاة، والآخر عدمه لا أنه مبطل لها، فيكون الصحيح عند أحدهما باطلا عند الآخر دون العكس. وفى مثله يظهر من كلام شيخنا الأنصاري جريان أصالة الصحة. (قده) وللمناقشة فيه مجال، لعدم احراز قيام السيرة فيه. وبمجرد الشك في قيام السيرة تسقط أصالة الصحة، لعدم الدليل عليها، فلو رأى أحد اعتبار تثليث التسبيحات في الصلاة، لا يجوز له الاقتداء بمن يرى عدم اعتباره فيها عملا بأصالة الصحة. نعم لو رأى اعتباره في خصوص حال العلم، يجوز له الاقتداء بمن لا يرى اعتباره أصلا لأصالة الصحة، بل لكون صلاته صحيحة حينئذ عند المأموم أيضا، بلا احتياج إلى إعمال أصالة الصحة.
(الجهة الخامسة) - أن الشك في الصحة إما أن يكون من جهة الشك في قابلية الفاعل، وإما أن يكون من جهة الشك في قابلية المورد، وإما أن يكون من جهة احتمال عدم الشرط أو وجود المانع مع احراز قابلية الفاعل والمورد. والقدر المتيقن من موارد جريان أصالة الصحة هي الصورة الأخيرة. وأما الصورتان الأوليان، فقد وقع الخلاف بينهم في جريان أصالة الصحة فيهما، فذهب العلامة والمحقق الثاني إلى عدم جريانها فيهما، بدعوى أن الحمل على الصحة إنما هو فيما إذا كان الشك في الصحة الفعلية