هو القيام بعد الركوع أو القيام قبله، فلم يحرز التجاوز عن المحل حتى تجري قاعدة التجاوز. وهذا بخلاف المقام، فإنه يدري أن القيام إنما هو بعد الانحناء، ولكن لا يدري أنه وصل إلى حد الركوع فقام أم لا؟ فيكون شكه بعد تجاوز المحل على ما ذكرناه، فلا مانع من جريان القاعدة.
(الامر الرابع) - هل يشترط جريان قاعدة الفراغ والتجاوز بعدم العلم بالغفلة حين العمل - ليكون احتمال الفساد من جهة احتمال الغفلة، واحتمال الصحة لاحتمال عدم الغفلة - أم تجري حتى مع العلم بالغفلة حين العمل، فيكون احتمال الصحة من جهة احتمال مصادفة الواقع من باب الاتفاق؟
ذهب جماعة منهم المحقق النائيني (ره) إلى الثاني، لاطلاق النصوص، كقوله عليه السلام في موثقة ابن بكير: " كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو " والتحقيق هو الأول، لعدم اطلاق في النصوص من هذه الجهة، لما ذكرناه سابقا من أن قاعدة الفراغ والتجاوز ليستا من القواعد التعبدية، بل من الأمور الارتكازية العقلائية، فان سيرة العقلاء جارية على عدم الاعتناء بالشك في العمل بعد وقوعه، باعتبار أن الغالب عدم وقوع الغفلة حين الاشتغال بالعمل، فيكون مرجع قاعدة الفراغ إلى أصالة عدم الغفلة الكاشفة نوعا عن صحة العمل، فلا مجال لجريانها مع العلم بالغفلة. وقد ذكرنا سابقا أن الأدلة الشرعية وافية بهذا المعنى. ولذا استظهرنا منها كون القاعدة من الامارات لامن الأصول التعبدية. وعلى تقدير تسليم الاطلاق - للنصوص - يكون التعليل الوارد في بعض الأدلة مقيدا له. وهو قوله (ع): " هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك " وقوله (ع): " وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك ". فان مقتضى هذا التعليل هو الاقتصار على موارد يكون المكلف فيها أذكر وأقرب إلى الواقع حين العمل منه حين الشك، فلا مجال لجريانها