(ثالثها) قوله (ع): أبدا، فإنه إشارة إلى أن عدم جواز نقض اليقين بالشك قاعدة كلية ارتكازية لا اختصاص لها بمورد دون مورد، وتكون هذه الكلمة في الصحيحة بمنزلة لا ينبغي في رواية أخرى، كما يأتي ذكرها انشاء الله تعالى.
وربما يتوهم أن كون هذه القاعدة ارتكازية ينافي ما ذكرنا سابقا من عدم تحقق السيرة العقلائية على العمل بالاستصحاب، وأن عملهم مبني على الاطمينان أو الاحتياط أو الغفلة. وهو مدفوع، بأن قاعدة - عدم جواز نقض اليقين بالشك - قاعدة ارتكازية مسلمة، فان اليقين والشك بمنزلة طريقين يكون أحدهما مأمونا من الضرر والاخر محتمل الضرر، فإذا دار الامر بينهما، لا إشكال في أن المرتكز هو اختيار الطريق المأمون. وما أنكرناه سابقا إنما هو تطبيق هذه الكبرى الكلية على الاستصحاب، لعدم صدق نقض اليقين بالشك عرفا، لان اليقين متعلق بالحدوث فقط، والشك متعلق بالبقاء فلم يتعلق اليقين بما تعلق به الشك، حتى لا يجوز نقض اليقين بالشك فلا يصدق نقض اليقين بالشك عرفا. فتطبيق هذه الكبرى الارتكازية على الاستصحاب إنما هو بالتعبد الشرعي لأجل هذه الصحيحة وغيرها من الروايات الآتية. ولا مانع من كون الكبرى مسلمة ارتكازية، مع كون بعض الصغريات غير واضحة، فان اجتماع الضدين ما لا إشكال ولا خلاف في كونه محالا، مع أنه وقع الخلاف بينهم في جواز اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد من جهة أنه هل يكون اجتماعهما من قبيل اجتماع الضدين أم لا؟
فتحصل مما ذكرنا أن الصحيحة تدل باطلاقها على حجية الاستصحاب مطلقا بلا فرق بين الاحكام الكلية والجزئية، والموضوعات الخارجية، فإنها باطلاقها تدل على عدم جواز نقض اليقين بالشك سواء كان متعلق اليقين هو الحكم الكلي أو الجزئي