وجود موضوعه بجميع شرائطه وقيوده في الخارج، ضرورة استحالة فعلية الحكم بدون فعلية موضوعه كذلك، فما لم يتحقق موضوعه خارجا يستحيل أن يكون الحكم فعليا، فتتبع فعلية الحكم فعلية موضوعة حدوثا وبقاء. ومن هنا لا يلزم أن تكون فعليته حين جعله وإبرازه في الخارج، بل هي غالبا متأخرة عنه، بل ربما تتأخر عنه بآلاف السنين.
والسر فيه: هو أن الأحكام الشرعية مجعولة على نحو القضايا الحقيقية، أعني:
للموضوعات المقدرة وجودها في الخارج، ولا يتوقف جعلها على وجودها فيه أبدا، ضرورة أنه يصح جعلها لها من دون أن يتوقف على وجود شئ منها في الخارج.
مثلا: وجوب الحج مجعول للعاقل البالغ القادر المستطيع مع بقية الشرائط، ووجوب الصوم مجعول للبالغ العاقل القادر الداخل عليه شهر رمضان مع سائر الشرائط... وهكذا، ولا يتوقف جعلها على وجود موضوعها خارجا، ولكن فعلية تلك الأحكام وتحققها في الخارج تتوقف على فعلية موضوعاتها، فمتى تحقق موضوعها تحقق الحكم.
ومن ذلك قد ظهر: أن فعلية الحكم خارجة عن مفاد الدليل، وأجنبية عنه رأسا، وتابعة لفعلية موضوعه، ضرورة أن مفاد الدليل هو ثبوت الحكم على نحو القضية الحقيقية، ولا يدل على أزيد من ذلك، فلا نظر له إلى فعليته بفعلية موضوعه أبدا، لوضوح أن كل قضية حقيقية غير ناظرة إلى وجود موضوعها في الخارج وتحققه فيه، بل مفادها ثبوت الحكم على تقدير وجود موضوعها فيه من دون تعرض لحاله وجودا وعدما.
وعليه، فلا معنى لما أفاده (قدس سره): من أن إطلاق كل من الدليلين قد يكون لبيان الحكم الفعلي، وذلك لما عرفت من أن فعلية الحكم تابعة لفعلية موضوعه في الخارج، وأجنبية عن مفاد الدليل بالكلية، فلا يكون الدليل متكفلا لفعليته أبدا (1).