ومن ذلك يظهر: أن ما فرضه (قدس سره) من وجود مصلحة في نفس البدار - ولأجل تلك المصلحة جاز - في غير محله.
وأما الصورة الثالثة: فأيضا لا مناص من القول بالإجزاء فيها، وذلك لعدم كون الباقي من الملاك ملزما ليجب تداركه. هذا كله مما لا كلام ولا إشكال فيه.
وإنما الكلام والإشكال في الصورة الرابعة، فقد ذكر (قدس سره): أن المكلف مخير فيها بين البدار في أول الوقت والإتيان بعملين: العمل الاضطراري في هذا الحال، يعني: حال الاضطرار، والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار، وبين الانتظار والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار.
وغير خفي أن ما أفاده (قدس سره) من التخيير في هذه الصورة غير معقول، وذلك لأنه من التخيير بين الأقل والأكثر الاستقلاليين. وقد حققنا في محله (1) أن التخيير بينهما مستحيل إلا إذا رجع إلى التخيير بين المتباينين.
وتفصيل ذلك: هو أن مرد جواز البدار واقعا إلى أن الفرد المضطر إليه مأمور به بالأمر الاضطراري الواقعي حقيقة وواف بتمام مصلحة الواقع، وإلا فلا يجوز البدار كذلك قطعا. ومرد التخيير المزبور إلى عدم كون الفرد المضطر إليه مأمورا به كذلك وعدم كونه وافيا بتمام المصلحة، وذلك لأن الشارع إذا لم يكتف بالعمل الناقص في أول الوقت وأوجب على المكلف الإتيان بالعمل التام الاختياري بعد رفع الاضطرار والعذر، سواء أكان المكلف آتيا بالعمل الاضطراري الناقص في أول الوقت أم لم يأت به فبطبيعة الحال لا معنى لإيجابه العمل الاضطراري الناقص وإلزام المكلف بإتيانه ولو على نحو التخيير، فإنه بلا ملاك يقتضيه.
وبكلمة أخرى: أن الصورة الأولى والثانية والثالثة في كلامه (قدس سره) وإن كانت من الصور المعقولة بحسب مقام الثبوت إلا أن الصورة الأخيرة - وهي الصورة الرابعة -