فذهب الأكثر إلى الثاني (1)، والوالد المحقق - مد ظله - إلى الثالث (2)، وظاهر الكل أن الفساد أمر عدمي (3).
والذي هو التحقيق حسبما عرفت منا: أن الصحة انتزاع من الطبيعة المتقدرة في ظرف الوجود الخارجي (4)، فإذا قدر البطيخ في النشأة العلمية - حسب الطبيعة النوعية - أن تكون كذا وكذا، فإن كانت في وجودها الخارجي عين ما في الخارج، وتصير خارجية، فهو البطيخ الصحيح والسالم.
وإذا لم تصر خارجية فتارة: لا تصير في الخارج على الإطلاق، فلا شئ في الخارج حتى ينتزع منه شئ، وأما إذا صارت خارجية ببعض الخصوصيات المتقدرة لها، وكانت ناقصة في الوجود، فهي أيضا لا ينتزع منها الفساد، بل يكون الفساد منتزعا من جريان الاختلال في المزاج الموجب لعفونته ومرارته وغير ذلك، فيكون منشأ انتزاع الفساد أمرا وجوديا.
وأما في الاعتباريات فالأمر أيضا كما حرر، فإن من قطع صلاته عمدا في أثنائها لا تكون صلاته فاسدة، بل الصلاة تصير باطلة، والفساد ينتزع من اشتمالها على وبر ما لا يؤكل لحمه، كاشتمال البطيخ على الديدان، فلاحظ وتدبر.
فلا مفهوم ثان للفساد في الاعتباريات، ولا يكون من العدميات في الطبيعيات. بل لا معنى لكونهما من العدم والملكة، لأن العدم المقابل للملكة ما كان فيه قوة الملكة، مع أن الفاسد ليست فيه قوة الملكة. نعم الناقص فيه قوة الملكة.
اللهم إلا أن يقال: إنهما من العدم والملكة المشهوريين (5)، فتأمل.