وفي كلا الجوابين ما لا يخفى على من راجع تلك الأخبار.
ومنها: أنها معارضة بأخبار البراءة، وهي أقوى سندا ودلالة واعتضادا بالكتاب والسنة والعقل، وغاية الأمر التكافؤ، فيرجع إلى ما تعارض فيه النصان، والمختار فيه التخيير، فيرجع إلى أصل البراءة (1).
وفيه: أن مقتضى أكثر أدلة البراءة المتقدمة - وهي جميع آيات الكتاب، والعقل، وأكثر السنة، وبعض تقريرات الإجماع - عدم استحقاق العقاب على مخالفة الحكم الذي لا يعلمه المكلف، ومن المعلوم أن هذا من مستقلات العقل الذي لا يدل أخبار التوقف ولا غيرها من الأدلة النقلية على خلافه، وإنما يثبت أخبار التوقف - بعد الاعتراف (2) بتماميتها على ما هو المفروض - تكليفا ظاهريا بوجوب الكف وترك المضي عند الشبهة، والأدلة المذكورة لا تنفي هذا المطلب، فتلك الأدلة بالنسبة إلى هذه الأخبار من قبيل الأصل بالنسبة إلى الدليل، فلا معنى لأخذ الترجيح بينهما.
وما يبقى من السنة من قبيل قوله (عليه السلام): " كل شئ مطلق " (3) لا يكافئ أخبار التوقف، لكونها أكثر وأصح سندا.
وأما قوة الدلالة في أخبار البراءة فلم يعلم.
وظهر (4) أن الكتاب والعقل لا ينافي وجوب التوقف.