في أنه لما اتضح ان فهم الخطاب مبنى على فهم اللغة أو العرف العام أو الخاص وكل واحد مرآة للاخر في ساير اللغات فان اتضح الحال بالنسبة إلى زمان صدور الخطاب بان عرف الحال بالنسبة إلى وقت الاستعمال لزم البناء على ذلك العرف ولا اعتبار بغيره فخطاب كل وقت محمول على عرفه فان علم الاتحاد فلا بحث وان جهل الحال في أحدهما وعلم الأخر بنى المجهول على المعلوم فما صدر من الأوائل محمول على العرف المعلوم عند الأواخر وبالعكس وان علم اختلافهما كان خطاب كل وقت محمولا على عرفه فما ورد من الشرع يحمل على عرف يوم الورود فإن كان فيه مصطلح شرعي عمل عليه والا فعلى الحقيقة العرفية العامة ثم اللغة ففي مسألة الغناء قد ظهر في العرف الجديد تخصيصه بما لم يكن في قران أو تعزية أو ذكر أو دعاء أو اذان أو مدح النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وقد علم من تتبع كلمات أهل اللغة وأحوال الأمويين والعباسيين وإبراهيم شيخ المغنين ان الكثير أو الأكثر أو الأحق في تسميته غناء ما كان في القران ومدح النبي صلى الله عليه وآله ولا يعرف في أيامهم الفرق من جهة ذوات الكلمات وانما المدار على كيفيات الأصوات وهو الظاهر من كلام أهل اللغة قدمائهم ومتأخريهم ممن عاصر زمان ورود النهي أو تقدمه أو تأخر عنه وما رأينا أحدا منهم اخذ قبل (قيد) عدم القرآنية والمدح والذم ونحوها فيه ولم يذكر بينهم خلاف في معناه مع اختلاف عباراتهم فما ذلك الا لاتحاد المعنى العرفي والإشارة إليه والمسامحة في التعريف بالأعم أو الأخص فمدار تحقق الغناء وخلافه على كيفيات الأصوات من غير ملاحظة لذوات الكلمات فقد ظهر خطأ العرف الجديد الذي هو بمنزلة المرآة الكاشفة عن العرف القديم كما أخطأ بديهه في تخصيص اسم الغناء بغير الجاري على وفق العربية والفصاحة وليس هذا بأول قارورة كسرت في الاسلام فقد أخطأ في كثير من المقامات فلا يحمل لفظ الغناء على المعنى الجديد كما لا يحمل ألفاظ التربة والقهوة واللبن والنهر والكر والبحر والحجر والساعة والكعب والميئرز والمثقال والوزنة والرطل والأوقية و الفرسخ والسيد والمؤمن والفاسق ونحوها على المعاني الجديدة لأنها ان نقلت أو غلط العرف فيها لا يحمل لفظ زمن الخطاب عليها واما الصدق باعتبار المبادى كصفة الكافر والمؤمن والعدل والفاسق وجميع مبادى المشتقات وجميع العنوانات فيتبع حال الاتصاف والحكم يدور مداره فكل متصف بصفة تعلق به حكم في مبدء الشرع ثم ارتفعت عنه ارتفع الحكم عنها بارتفاعها وإذا عادت عاد معها الا ان يعين الشارع لها وقتا خاصا كصفة الكيل والوزن بالنسبة إلى الرباء فان الصفتين لا اعتبار بهما وجودا وعدما الا ما كان منهما في أيام سيد الثقلين فإذا علم الحال هناك بنى عليه وان جهل رجع الامر إلى ظاهر العادة حينئذ. البحث الخامس في أنه كما يجب في مصطلح التخاطب اتباع اللغة كائنة ما كانت في وضع المواد وتركيب المفردات وكيفية تركيب المركبات كذلك يلزم اتباعها في كيفية الاستعمالات والمواقع فلا يستعمل ولا يقع اللفظ الا على نحو ما عين أو تعين له بوضع لفظ شخصي للفظ أو معنى شخصيين أو نوعيين أو نوعي للفظ أو معنى نوعيين دون الشخصيين كما يظهر من التتبع أو بنحو من الاذن والرخصة والمعهود في اللغة العربية الصحيحة والمحرفة وغيرها من اللغات استعمال اللفظ في معنى حقيقي أو مجازي على الانفراد لا في مجازين ولا في حقيقتين لا بطريق الحقيقة ولا بطريق المجاز ولا في مختلفين لا في افراد ولا في غيره في غير الاعلام الشخصية فان الجواز فيها مبني على ظهور إرادة الاسمية حتى أن المستعمل على هذا النحو ينكر عليه في جميع اللغات غاية الانكار وحكم اللغة كحكم الشرع توقيفي يكفي في الحكم بنفيه الشك في ثبوته وما يظن من ذلك فمن عموم المجاز في الحقيقتين أو المجازين أو الحقيقة والمجاز ولو أجزنا ذلك لتداخلت أنواع الكلمة نوع بنوع في الأنواع الثلاثة وصفة المشتق والجامد في اللفظ الواحد والمفرد بقسيميه واحد قسيميه بصاحبه والمشتقات والمصادر بعضها ببعض ولحسن تداخل اللغات بعض ببعض والقول بالفرق بين الأقسام في الجواز والمنع بالتفاوت و التباعد أو بتغليب اسم الأشرف أو غيره على غيره بعيد في صحيح النظر وقد يحصل الاشتباه التام في هذا المقام بزعم الملازمة بين الاستعمال وإرادة الافهام فتتوجه الظنون إلى أنه يدخل في المسألة مسألة البطون في الآيات أو الروايات وليست من هذا القبيل لان الفهم قد يكون من الإشارات والكنايات والتعريضات والتلويحات من دون استعمال في تلك المفهومات كما مرت إليه الإشارة سابقا وسيجيئ بيانه والله سبحانه وتعالى أعلم. البحث السادس في أن الارتباط بين موجودين أو معدومين أو مختلفين واتحاد أحدهما بالآخر يتوقف على المقارنة فيهما في الان الواحد مع تحقق جهة الارتباط فالارتباط بين العارض والمعروض والصفة والموصوف والعنوان والمعنون يتوقف على ما ذكر من غير فرق بين الجوامد والمشتقات في جميع اللغات فارتباط معنى انسان ورجل وفرس وحمار وغيرها من الجوامد بموضوعاتها كارتباط ضارب وقاتل ومتكلم وقائم وقاعد وحسن وقبيح ونحوها كذلك بمصاديقها متى اطلق في وضع أو حكم أو تقييد اتحد به فالعنوان يشير إلى ثبوت المعنون والنسبة الصورية على وجه الحقيقة تفيد تلك النسبة الواقعية على وجه الاطلاق من غير تقييد زمان أو مكان أو وضع وانما الأزمنة والأمكنة والأوضاع باقسامها فيها شرع سواء فالاطلاق على وجه الحقيقة يوافق الأزمنة الثلاثة ففي قولنا كان زيد نطفة أو علقة أو مضغة أو تكون في رحم فلانة كذلك مع عدم المقارنة للنطق أو هو الان كذلك مع المقارنة أو كان زيد ضاربا أو قاتلا أو قائما أو نائما أو يكون كذلك أو هو الان كذلك مع المقارنة في النطق لا منافاة ولا مضادة ولا خروج عن الحقيقة فيها فالعنوان المجرد أو المقيد باق على ذلك الحال يستوي فيه الماضي والمستقبل والحال وإذا ركب تركيب (تركيبا)
(٢٢)