يكون على حذف مضاف: أي تبوءوا الدار وموضع الإيمان، ويجوز أن يكون تبوءوا مضمنا لمعنى لزموا، والتقدير: لزموا الدار والإيمان، ومعنى من قبلهم: من قبل هجرة المهاجرين فلا بد من تقدير مضاف، لأن الأنصار إنما آمنوا بعد إيمان المهاجرين، والموصول مبتدأ وخبره (يحبون من هاجر إليهم) وذلك لأنهم أحسنوا إلى المهاجرين وأشركوهم في أموالهم ومساكنهم (ولا يجدون في صدورهم حاجة) أي لا يجد الأنصار في صدورهم حسدا وغيظا وحزازة (مما أوتوا) أي مما أوتي المهاجرون دونهم من الفئ، بل طابت أنفسهم بذلك. وفي الكلام مضاف محذوف: أي لا يجدون في صدورهم مس حاجة أو أثر حاجة، وكل ما يجده الإنسان في صدره مما يحتاج إليه فهو حاجة. وكان المهاجرون في دور الأنصار " فلما غنم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني النضير دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين من إنزالهم إياهم في منازلهم، وإشراكهم في أموالهم، ثم قال: إن أحببتم قسمت ما أفاء الله على من بني النضير بينكم وبين المهاجرين، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم والمشاركة لكم في أموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم ذلك وخرجوا من دياركم، فرضوا بقسمة ذلك في المهاجرين وطابت أنفسهم (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) الإيثار تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا رغبة في حظوظ الآخرة، يقال: آثرته بكذا: أي خصصته به، والمعنى: ويقدمون المهاجرين على أنفسهم في حظوظ الدنيا " ولو كان بهم خصاصة " أي حاجة وفقر، والخصاصة مأخوذة من خصائص البيت، وهي الفرج التي تكون فيه، وجملة ولو كان بهم خصاصة في محل نصب على الحال، وقيل إن الخصاصة مأخوذة من الاختصاص، وهو الانفراد بالأمر، فالخصاصة الانفراد بالحاجة، ومنه قول الشاعر:
إن الربيع إذا يكون خصاصة * عاش السقيم به وأثري المقتر (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) قرأ الجمهور " يوق " بسكون الواو وتخفيف القاف من الوقاية.
وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة بفتح الواو وتشديد القاف. وقرأ الجمهور " شح نفسه " بضم الشين. وقرأ ابن عمر وابن أبي عبلة بكسرها. والشح: البخل مع حرص، كذا في الصحاح، وقيل الشح أشد من البخل. قال مقاتل:
شح نفسه: حرص نفسه. قال سعيد بن جبير: شح النفس هو أخذ الحرام ومنع الزكاة. قال ابن زيد: من لم يأخذ شيئا نهاه الله عنه ولم يمنع شيئا أمره الله بأدائه فقد وقي شح نفسه. قال طاووس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح أن يشح بما في أيدي الناس، يحب أن يكون له ما في أيديهم بالحلال والحرام لا يقنع. وقال ابن عيينة: الشح الظلم، وقال الليث: ترك الفرائض وانتهاك المحارم. والظاهر من الآية أن الفلاح مترتب على عدم شح النفس بشئ من الأشياء التي يقبح الشح بها شرعا من زكاة أو صدقة أو صلة رحم أو نحو ذلك كما تفيده إضافة الشح إلى النفس، والإشارة بقوله (فأولئك) إلى " من " باعتبار معناها، وهو مبتدأ وخبره (هم المفلحون) والفلاح الفوز والظفر بكل مطلوب. ثم لما فرغ سبحانه من الثناء على المهاجرين والأنصار، ذكر ما ينبغي أن يقوله من جاء بعدهم، فقال (والذين جاءوا من بعدهم) وهم التابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة، وقيل هم الذين هاجروا بعد ما قوى الإسلام، والظاهر شمول الآية لمن جاء بعد السابقين من الصحابة المتأخر إسلامهم في عصر النبوة، ومن تبعهم من المسلمين بعد عصر النبوة إلى يوم القيامة، لأنه يصدق على الكل أنهم جاءوا بعد المهاجرين الأولين والأنصار، والموصول مبتدأ وخبره (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) ويجوز أن يكون الموصول مغطوفا على قوله (والذين تبوءوا الدار والإيمان)، فيكون يقولون في محل نصب على الحال، أو مستأنف لا محل له، والمراد بالأخوة هنا أخوة الدين، أمرهم الله أن يستغفروا لأنفسهم ولمن تقدمهم من المهاجرين