والوعيد ليفعلن كذا، والمعنى: أنهم إذا انفردوا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس، وإذا لاقوا عدوا ذلوا وخضعوا وانهزموا، وقيل المعنى أن بأسهم بالنسبة إلى أقرانهم شديد، وإنما ضعفهم بالنسبة إليكم لما قذف الله في قلوبهم من الرعب، والأول أولى لقوله (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) فإنه يدل على أن اجتماعهم إنما هو في الظاهر مع تخالف قلوبهم في الباطن، وهذا التخالف هو البأس الذي بينهم الموصوف بالشدة، ومعنى شتى متفرقة، قال مجاهد:
يعنى اليهود والمنافقين تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى. وروى عنه أيضا أنه قال: المراد المنافقون. وقال الثوري: هم المشركون وأهل الكتاب. قال قتادة: تحسبهم جميعا: أي مجتمعين على أمر ورأى، وقلوبهم شتى متفرقة، فأهل الباطل مختلفة آراؤهم مختلفة شهادتهم مختلفة أهواؤهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق. وقرأ ابن مسعود " وقلوبهم أشت " أي أشد اختلافا (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) أي ذلك الاختلاف والتشتت بسبب أنهم قوم لا يعقلون شيئا ولو عقلوا لعرفوا الحق واتبعوه (كمثل الذين من قبلهم) أي مثلهم كمثل الذين من قبلهم، والمعنى:
أن مثل المنافقين واليهود كمثل الذين من قبلهم من كفار المشركين (قريبا) يعنى في زمان قريب، وانتصاب قريبا على الظرفية: أي يشبهونهم في زمن قريب، وقيل العامل فيه ذاقوا: أي ذاقوا في زمن قريب، ومعنى (ذاقوا وبال أمرهم) أي سوء عاقبة كفرهم في الدنيا بقتلهم يوم بدر، وكان ذلك قبل غزوة بني النضير بستة أشهر، قاله مجاهد وغيره، وقيل المراد بنو النضير حيث أمكن الله منهم، قاله قتادة. وقيل قتل بني قريظة، قاله الضحاك.
وقيل هو عام في كل من انتقم الله منه بسبب كفره، والأول أولى (ولهم عذاب أليم) أي في الآخرة. ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلا آخر فقال (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر) أي مثلهم في تخاذلهم وعدم تناصرهم، فهو إما خبر مبتدإ محذوف، أو خبر آخر للمبتدأ المقدر قبل قوله (كمثل الذين من قبلهم) على تقدير حذف حرف العطف كما تقول: أنت عاقل، أنت عالم، أنت كريم. وقيل المثل الأول خاص باليهود، والثاني خاص بالمنافقين، وقيل المثل الثاني بيان للمثل الأول، ثم بين سبحانه وجه الشبه فقال (إذ قال للإنسان أكفر) أي أغراه بالكفر وزينه له وحمله عليه، والمراد بالإنسان هنا جنس من أطاع الشيطان من نوع الإنسان، وقيل هو عابد كان في بني إسرائيل حمله الشيطان على الكفر فأطاعه (فلما كفر قال إني برئ منك) أي فلما كفر الإنسان مطاوعة للشيطان، وقبولا لتزيينه قال الشيطان إني برئ منك، وهذا يكون منه يوم القيامة، وجملة (إني أخاف الله رب العالمين) تعليل لبراءته من الإنسان بعد كفره، وقيل المراد بالإنسان هنا أبو جهل، والأول أولى. قال مجاهد:
المراد بالإنسان هنا جميع الناس في غرور الشيطان إياهم، قيل وليس قول الشيطان (إني أخاف الله) على حقيقته، إنما هو على وجه التبري من الإنسان فهو تأكيد لقوله (إني برئ منك) قرأ الجمهور " إني " بإسكان الياء. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتحها (فكان عاقبتهما أنهما في النار) قرأ الجمهور " عاقبتهما " بالنصب على أنه خبر كان، واسمها أنهما في النار. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد بالرفع على أنها اسم كان، والخبر ما بعده، والمعنى فكان عاقبة الشيطان وذلك الإنسان الذي كفر أنهما صائران إلى النار (خالدين فيها) قرأ الجمهور " خالدين " بالنصب على الحال، وقرأ ابن مسعود والأعمش وزيد بن علي وابن أبي عبلة " خالدان " على أنه خبر أن والظرف متعلق به (وذلك جزاء الظالمين) أي الخلود في النار جزاء الظالمين، ويدخل هؤلاء فيهم دخولا أوليا. ثم رجع سبحانه إلى خطاب المؤمنين بالموعظة الحسنة فقال (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) أي اتقوا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه (ولتنظر نفس ما قدمت لغد) أي لتنظر أي شئ قدمت من الأعمال ليوم القيامة، والعرب تكنى عن المستقبل بالغد، وقيل ذكر الغد تنبيها على قرب الساعة (واتقوا الله) كرر الأمر بالتقوى للتأكيد (إن الله