المسلمين. قال أهل اللغة: الرعب الخوف الذي يرعب الصدر: أي يملؤه، وقذفه إثباته فيه. وقيل كان قذف الرعب في قلوبهم بقتل سيدهم كعب بن الأشرف، والأولى عدم تقييده بذلك وتفسيره به، بل المراد بالرعب الذي قذفه الله في قلوبهم هو الذي ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " نصرت بالرعب مسيرة شهر " (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين) وذلك أنهم لما أيقنوا بالجلاء حسدوا المسلمين أن يسكنوا منازلهم فجعلوا يخربونها من داخل، والمسلمون من خارج. قال قتادة والضحاك: كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا، واليهود من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم. قال الزجاج: معنى تخريبها بأيدي المؤمنين أنهم عرضوها لذلك.
قرأ الجمهور " يخربون " بالتخفيف، وقرأ الحسن والسلمي ونصر بن عاصم وأبو العالية وأبو عمرو بالتشديد. قال أبو عمرو: إنما اخترت القراءة بالتشديد، لأن الإخراب ترك الشئ خرابا، وإنما خربوها بالهدم. وليس ما قاله بمسلم، فإن التخريب والإخراب عند أهل اللغة بمعنى واحد. قال سيبويه: إن معنى فعلت وأفعلت يتعاقبان نحو أخربته وخربته وأخرجته وفرحته واختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم. قال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير: لما صالحهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن لهم ما أقلت الإبل كانوا يستحسنون الخشبة أو العمود فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم ويخرب المؤمنون باقيها. وقال الزهري أيضا: يخربون بيوتهم بنقض المعاهدة وأيدي المؤمنين بالمقاتلة، وقال أبو عمرو: بأيديهم في تركهم لها وبأيدي المؤمنين في إجلائهم عنها.
والجملة إما مستأنفة لبيان ما فعلوه، أو في محل نصب على الحال (فاعتبروا يا أولي الأبصار) أي اتعظوا وتدبروا وانظروا فيما نزل بهم يا أهل العقول والبصائر. قال الواحدي: ومعنى الاعتبار النظر في الأمور ليعرف بها شئ آخر من جنسها (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا) أي لولا أن كتب الله عليهم الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه وقضى به عليهم لعذبهم بالقتل والسبي في الدنيا كما فعل ببني قريظة. والجلاء مفارقة الوطن، يقال جلاء بنفسه جلاء، وأجلاه غيره إجلاء. والفرق بين الجلاء والإخراج وإن كان معناهما في الإبعاد واحدا من جهتين: إحداهما أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد، والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد.
الثاني أن الجلاء لا يكون إلا الجماعة، والإخراج يكون لجماعة ولواحد، كذا قال الماوردي (ولهم في الآخرة عذاب النار) هذه الجملة مستأنفة غير متعلقة بجواب لولا متضمنة لبيان ما يحصل لهم في الآخرة من العذاب وإن نجوا من عذاب الدنيا، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم ذكره من الجلاء في الدنيا والعذاب في الآخرة (بأنهم شاقوا الله ورسوله) أي بسبب المشاقة منهم لله ولرسوله بعدم الطاعة والميل مع الكفار ونقض العهد (ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب) اقتصرها هنا على مشاقة الله، لأن مشاقته مشاقة لرسوله. قرأ الجمهور " يشاق " بالإدغام.
وقرأ طلحة بن مصرف ومحمد بن السميفع " يشاقق " بالفك (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله) قال مجاهد: إن بعض المهاجرين وقعوا في قطع النخل فنهاهم بعضهم، وقالوا: إنما هي مغانم للمسلمين، وقال الذين قطعوا: بل هو غيظ للعدو، فنزل القرآن بتصديق من نهى عن قطع النخل وتحليل من قطعه من الإثم فقال - ما قطعتم من لينة - قال قتادة والضحاك: إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات. وقال محمد بن إسحاق: إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة، فقال بنو النضير وهم أهل كتاب: يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر؟ وهل وجدت فيما أنزل عليك إباحة الفساد في الأرض، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجد المسلمون في أنفسهم فنزلت الآية، ومعنى الآية: أي شئ