يعني السلاح، فأنزل الله فيهم (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض) إلى قوله (لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا) فقاتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى صالحهم على الإجلاء وجلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصيبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله (لأول الحشر) فكان إجلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام. وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال " من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية (هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يومئذ أخرجوا، قالوا إلى أين؟ قال إلى أرض المحشر ". وأخرج ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فأعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، وأن يسيروا إلى أذرعات الشام، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء. وفي البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة، ولها يقول حسان:
لهان على سراة بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير فأنزل الله (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين) ". وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: اللينة النخلة (وليخزي الفاسقين) قال: استنزلوهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل فحك في صدورهم، فقال المسلمون: قد قطعنا بعضا وتركنا بعضا، فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل لنا فيما قطعنا من أجر، وهل علينا فيما تركنا من وزر؟
فأنزل الله (ما قطعتم من لينة) الآية، وفي الباب أحاديث، والكلام في صلح بني النضير مبسوط في كتب السير.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، ومما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله (فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب) فجعل ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحكم فيه ما أراد، ولم يكن يومئذ خيل ولا ركاب) يوجف بها، قال: والإيجاف أن يوضعوا السير، وهي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان من ذلك خيبر وفدك وقرى عرينة. وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعمد لينبع، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاحتواها كلها، فقال ناس هلا قسمها الله فأنزل الله عذره فقال (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى) الآية. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال: كان ما أفاء الله على رسوله من خيبر نصف لله ورسوله، والنصف الآخر للمسلمين، فكان الذي لله ورسوله من ذلك الكثيبة والوطيح وسلالم ووحدوه، وكان الذي للمسلمين الشق، والشق ثلاثة عشر سهما، ونطاة خمسة أسهم، ولم يقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر لأحد من المسلمين إلا لمن شهد الحديبية، ولم يأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأحد من المسلمين تخلف عنه عند مخرجه إلى الحديبية أن يشهد معه خيبر إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري. وأخرج أبو داود وابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صفايا في النضير وخيبر وفدك، فأما بنو النضير فكانت حبسا لنوائبه، وأما فدك فكانت لابن السبيل، وأما خيبر فجزأها ثلاثة أجزاء: قسم منها جزءين بين المسلمين، وحبس جزءا لنفسه ولنفقة أهله، فما فضل عن نفقة أهله