وقوله: قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدخول فحومل وقول الآخر: فإن تزجراني يابن عفان أنزجر * وإن تدعواني أحم عرضا ممنعا قال المازني: قوله (ألقيا) يدل على ألق ألق. قال المبرد: هي تثنية على التوكيد، فناب ألقيا مناب ألق ألق قال مجاهد وعكرمة: العنيد المعاند للحق، وقيل المعرض عن الحق، يقال عند يعند بالكسر عنودا. إذا خالف الحق (الذي جعل مع الله إلها آخر) يجوز أن يكون بدلا من كل أو منصوبا على الذم، أو بدلا من كفار، أو مرفوعا بالابتداء أو الخبر (فألقياه في العذاب الشديد) تأكيد للأمر الأول أو بدل منه (قال قرينه ربنا ما أطغيته) هذه الجملة مستأنفة لبيان ما يقوله القرين، والمراد بالقرين هنا الشيطان الذي قيض لهذا الكافر، أنكر أن يكون أطغاه، ثم قال: (ولكن كان في ضلال بعيد) أي عن الحق فدعوته فاستجاب لي، ولو كان من عبادك المخلصين لم أقدر عليه، وقيل إن قرينه الملك الذي كان يكتب سيئاته وإن الكافر يقول: رب إنه أعجلني فيجيبه بهذا، كذا قال مقاتل وسعيد بن جبير. والأول أولى، وبه قال الجمهور (قال لا تختصموا لدي) هذه الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل، فماذا قال الله؟ فقيل (قال لا تختصموا لدي) يعنى الكافرين وقرناءهم، نهاهم سبحانه عن الاختصام في موقف الحساب، وجملة (وقد قدمت إليكم بالوعيد) في محل نصب على الحال: أي والحال أن قد قدمت إليكم بالوعيد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، والباء في بالوعيد مزيدة للتأكيد أو على تضمين قدم معنى تقدم (ما يبدل القول لدي) أي لا خلف لوعدي، بل هو كائن لا محالة، وقد قضيت عليكم بالعذاب فلا تبديل له، وقيل هذا القول هو قوله - من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها - وقيل هو قوله - لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين - وقال الفراء وابن قتيبة: معنى الآية: أنه ما يكذب عندي بزيادة في القول ولا بنقص منه لعلمي بالغيب، وهو قول الكلبي. واختاره الواحدي لأنه قال - لدي - ولم يقل وما يبدل قولي، والأول أولى. وقيل إن مفعول قدمت إليكم هو ما يبدل أي وقد قدمت إليكم هذا القول ملتبسا بالوعيد، وهذا بعيد جدا (وما أنا بظلام للعبيد) أي لا أعذبهم ظلما بغير جرم اجترموه ولا ذنب أذنبوه. ولما كان نفي الظلام لا يستلزم نفي مجرد الظلم قيل إنه هنا بمعنى الظالم كالثمار بمعنى التامر. وقيل إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم. وقيل صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده، وقيل غير ذلك، وقد تقدم الكلام على هذا في سورة آل عمران وفي سورة الحج (يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) قرأ الجمهور " نقول " بالنون. وقرأ نافع وأبو بكر بالياء. وقرأ الحسن أقول. وقرأ الأعمش " يقال " والعامل في الظرف " ما يبدل القول لدي " أو محذوف أي أذكر أو أنذرهم، وهذا الكلام على طريقة التمثيل والتخييل، ولا سؤال ولا جواب، كذا قيل، والأولى أنه على طريقة التحقيق ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع. قال الواحدي. قال المفسرون: أراها الله تصديق قوله - لأملأن جهنم - فلما امتلأت قال لها (هل امتلأت وتقول هل من مزيد) أي قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ، وبهذا قال عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان. وقيل إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة: أي إنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها. وقيل: إن المعنى أنها طلبت أن يزاد في سعتها لتضايقها بأهلها، والمزيد إما مصدر كامحيد أو اسم مفعول كالمنيع، فالأول بمعنى هل من زيادة، والثاني بمعنى هل من شئ تزيدونيه ثم لما فرغ من بيان حال الكافرين شرع في بيان حال المؤمنين فقال (وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد) أي قربت للمتقين تقريبا غير بعيد أو مكان غير بعيد منهم بحيث يشاهدونها في الموقف، وينظرون ما فيها مما لا عين رأت ولا أذن
(٧٧)