وقال الحسن: تحيد تهرب (ونفخ في الصور) عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه، وهذه هي النفخة الآخرة للبعث (ذلك يوم الوعيد) أي ذلك الوقت الذي يكون فيه النفخ في الصور يوم الوعيد الذي أوعد الله به الكفار.
قال مقاتل: يعنى بالوعيد العذاب في الآخرة، وخصص الوعيد مع كون اليوم هو يوم الوعد والوعيد جميعا لتهويله (وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد) أي جاءت كل نفس من النفوس معها من يسوقها ومن يشهد لها أو عليها.
واختلف في السائق والشهيد، فقال الضحاك: السائق من الملائكة، والشهيد من أنفسهم: يعنى الأيدي والأرجل. وقال الحسن وقتادة: سائق يسوقها وشاهد يشهد عليها بعملها. وقال ابن مسلم السائق قرينها من الشياطين، سمى سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها. وقال مجاهد: السائق والشهيد ملكان. وقيل السائق الملك والشهيد العمل، وقيل السائق كاتب السيئات، والشهيد كاتب الحسنات، ومحل الجملة النصب على الحال (لقد كنت في غفلة من هذا) أي يقال له: لقد كنت في غفلة من هذا، والجملة في محل نصب على الحال من نفس أو مستأنفة كأنه قيل ما يقال له. قال الضحاك: المراد بهذا المشركون لأنهم كانوا في غفلة من عواقب أمورهم. وقال ابن زيد: الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي لقد كنت يا محمد في غفلة من الرسالة. وقال أكثر المفسرين:
المراد به جميع الخلق برهم وفاجرهم، واختار هذا ابن جرير. قرأ الجمهور بفتح التاء من " كنت " وفتح الكاف في غطاءك وبصرك حملا على ما في لفظ كل من التذكير. وقرأ الجحدري وطلحة بن مصرف بالكسر في الجميع على أن المراد النفس (فكشفنا عنك غطاءك) الذي كان في الدنيا: يعنى رفعنا الحجاب الذي كان بينك وبين أمور الآخرة، ورفعنا ما كنت فيه من الغفلة عن ذلك (فبصرك اليوم حديد) أي نافذ تبصر به ما كان يخفى عليك في الدنيا. قال السدى: المراد بالغطاء أنه كان في بطن أمه فولد، وقيل إنه كان في القبر فنشر، والأول أولى.
والبصر قيل هو بصر القلب وقيل بصر العين. وقال مجاهد: بصرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك وبه قال الضحاك (وقال قرينه هذا ما لدي عتيد) أي قال الملك الموكل به هذا ما عندي من كتاب عملك عتيد حاضر قد هيأته، كذا قال الحسن وقتادة والضحاك. وقال مجاهد: إن الملك يقول للرب سبحانه هذا الذي وكلتني به من بني آدم قد أحضرته وأحضرت ديوان عمله. وروى عنه أنه قال: إن قرينه من الشياطين، يقول ذلك: أي هذا ما قد هيأته لك بإغوائي وإضلالي. وقال ابن زيد: إن المراد هنا قرينه من الإنس، وعتيد مرفوع على أنه صفة لما إن كانت موصوفة، وإن كانت موصولة فهو خبر بعد خبر، أو خبر مبتدإ محذوف (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) هذا خطاب من الله عز وجل للشائق والشهيد. قال الزجاج: هذا أمر للملكين الموكلين به وهما السائق والشاهد: كل كفار للنعم عنيد مجانب للإيمان (مناع للخير) لا يبذل خيرا (معتد) ظالم لا يقر بتوحيد الله (مريب) شاك في الحق، من قولهم أراب الرجل: إذا صار ذا ريب. وقيل هو خطاب للملكين من خزنة النار، وقيل هو خطاب لواحد على تنزيل تثنية الفاعل منزلة تثنية الفعل وتكريره. قال الخليل والأخفش: هذا كلام العرب الصحيح أن يخاطب الواحد بلفظ الاثنين يقولون: ارحلاها وازجراها وخذاه وأطلقاه للواحد. قال الفراء:
العرب تقول للواحد قوما عنا. وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه ورفقته في سفره اثنان، فجرى كلام الرجل للواحد على ذلك، ومنه قولهم للواحد في الشعر خليلي كما قال امرؤ القيس:
خليلي مرا بي على أم جندب * نقض لبانات الفؤاد المعذب