سمعت ولا خطر على قلب بشر، ويجوز أن يكون انتصاب - غير بعيد - على الحال. وقيل المعنى: أنها زينت قلوبهم في الدنيا بالترغيب والترهيب، فصارت قريبة من قلوبهم، والأول أولى. والإشارة بقوله (هذا ما توعدون) إلى الجنة التي أزلفت لهم على معنى: هذا الذي ترونه من فنون نعيمها ما توعدون، والجملة بتقدير القول: أي ويقال لهم هذا ما توعدون. قرأ الجمهور " توعدون " بالفوقية. وقرأ ابن كثير بالتحتية (لكل أواب حفيظ) هو بدل من للمتقين بإعادة الخافض أو متعلق بقول محذوف هو حال: أي مقولا لهم لكل أواب، والأواب الرجاع إلى الله تعالى بالتوبة عن المعصية، وقيل هو المسبح، وقيل هو الذاكر لله في الخلوة. قال الشعبي ومجاهد: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها. وقال عبيد بن عمير هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله فيه، والحفيظ: هو الحافظ لذنوبه حتى يتوب منها. وقال قتادة: هو الحافظ لما استودعه الله من حقه ونعمته، قاله مجاهد. وقيل هو الحافظ الأمر الله. وقال الضحاك: هو الحافظ لوصية الله له بالقبول (من خشى الرحمن بالغيب) الموصول في محل جر بدلا أو بيانا لكل أواب، وقيل يجوز أن يكون بدلا بعد بدل من المتقين، وفيه نظر لأنه لا يتكرر البدل والمبدل منه واحد، ويجوز أن يكون في محل رفع على الاستئناف والخبر ادخلوها بتقدير يقال لهم ادخلوها، والخشية بالغيب أن يخاف الله ولم يكن رآه. وقال الضحاك والسدي: يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. قال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب، وبالغيب متعلق بمحذوف هو حال أو صفة لمصدر خشى (وجاء بقلب منيب) أي راجع إلى الله مخلص لطاعته، وقيل المنيب المقبل على الطاعة، وقيل السليم (ادخلوها) هو بتقدير القول: أي يقال لهم ادخلوها، والجمع باعتبار معنى من: أي ادخلوا الجنة (بسلام) أي بسلامة من العذاب، وقيل بسلام من الله وملائكته، وقيل بسلامة من زوال النعم، وهو متعلق بمحذوف هو حال: أي ملتبسين بسلام، والإشارة بقوله (ذلك) إلى زمن ذلك اليوم كما قال أبو البقاء، وخبره (يوم الخلود) وسماه يوم الخلود لأنه لا انتهاء له، بل هو دائم أبدا (لهم ما يشاءون فيها) أي في الجنة ما تشتهى أنفسهم وتلذ أعينهم من فنون النعم وأنواع الخير (ولدينا مزيد) من النعم التي لم تخطر لهم على بال ولا مرت لهم في خيال.
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " نزل الله من ابن آدم أربع منازل: هو أقرب إليه من حبل الوريد، وهو يحول بين المرء وقلبه، وهو آخذ بناصية كل دابة، وهو معهم أينما كانوا ". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (من حبل الوريد) قال: عروق العنق.
وأخرج ابن المنذر عنه قال: هو نياط القلب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا، في قوله (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله أكلت وشربت ذهبت جئت رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان من خير أو شر وألقى سائره.
فذلك قوله - يمحو الله ما يشاء ويثبت -. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال: إنما يكتب الخير والشر، لا يكتب يا غلام أسرج الفرس يا غلام اسقني الماء. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ": إن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم ". وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد والحكيم الترمذي وأبو نعيم والبيهقي في الشعب عن عمرو بن ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن الله عند لسان كل قائل، فليتق الله عبد ولينظر ما يقول ". وأخرج الحكيم والترمذي عن ابن عباس مرفوعا مثله. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى، وابن مردويه والبيهقي في البعث،