وأصله من النقب، وهو الطريق. قال مجاهد: ضربوا وطافوا. وقال النضر بن شميل: دوروا. وقال المؤرج:
تباعدوا. والأول أولى، ومنه قول امرئ القيس:
وقد نقبت في الآفاق حتى * رضيت من الغنيمة بالإياب ومثله قول الحارث بن حلزة:
نقبوا في البلاد من حذر الموت * وجالوا في الأرض كل مجال وقرأ ابن عباس والحسن وأبو العالية وأبو عمرو في رواية " نقبوا " بفتح القاف مخففة، والنقب هو الخرق والطريق في الجبل وكذا المنقب والمنقبة، كذا قال ابن السكيت، وجمع النقب نقوب. وقرأ السلمي ويحيى بن يعمر بكسر القاف مشددة على الأمر للتهديد: أي طوفوا فيها وسيروا في جوانبها. وقرأ الباقون بفتح القاف مشددة على الماضي (هل من محيص) أي هل من مهرب يهربون إليه، أو مخلص يتخلصون به من العذاب.
قال الزجاج: لم يروا محيصا من الموت، والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا: أي عدل وحاد، والجملة مستأنفة لبيان أنه لا مهرب لهم، وفي هذا إنذار لأهل مكة أنهم مثل من قبلهم من القرون لا يجدون من الموت والعذاب مفرا (إن في ذلك لذكرى) أي فيما ذكر من قصتهم تذكرة وموعظة (لمن كان له قلب) أي عقل. قال الفراء: وهذا جائز في العربية، تقول ما لك قلب وما قلبك معك:
أي مالك عقل وما عقلك معك، وقيل المراد القلب نفسه، لأنه إذا كان سليما أدرك الحقائق وتفكر كما ينبغي وقيل لمن كان له حياة ونفس مميزة، فعبر عن ذلك بالقلب لأنه وطنها ومعدن حياتها، ومنه قول امرئ القيس.
أغرك مني أن حبك قاتلي * وأنك مهما تأمري النفس تفعل (أو ألقى السمع) أي استمع ما يقال له، يقال ألق سمعك إلى: أي استمع منى، والمعنى: أنه ألقى السمع إلى ما يتلى عليه من الوحي الحاكي لما جرى عن تلك الأمم. قرأ الجمهور " ألقى " مبنيا للفاعل. وقرأ السلمي وطلحة والسدي على البناء للمفعول ورفع السمع (وهو شهيد) أي حاضر الفهم أو حاضر القلب لأن من لا يفهم في حكم الغائب وإن حضر بجسمه فهو لم يحضر بفهمه. قال الزجاج: أي وقلبه حاضر فيما يسمع. قال سفيان: أي لا يكون حاضرا وقلبه غائب. قال مجاهد وقتادة: هذه الآية في أهل الكتاب وكذا قال الحسن. وقال محمد بن كعب وأبو صالح: إنها في أهل القرآن خاصة (ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام) قد تقدم تفسير هذه الآية في سورة الأعراف وغيرها (وما مسنا من لغوب) اللغوب: التعب والإعياء، تقول لغب يلغب بالضم لغوبا. قال الواحدي: قال جماعة المفسرين إن اليهود قالوا: خلق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام.
أولها الأحد وآخرها الجمعة، واستراح يوم السبت، فأكذبهم الله تعالى بقوله (وما مسنا من لغوب. فاصبر على ما يقولون) هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر لهم بالصبر على ما يقوله المشركون: أي هون عليك، ولا تحزن لقولهم وتلق ما يرد عليك منه بالصبر (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) أي نزه الله عما لا يليق بجنابه العالي ملتبسا بحمده وقت الفجر ووقت العصر، وقيل المراد صلاة الفجر وصلاة العصر، وقيل الصلوات الخمس، وقيل صل ركعتين. قبل طلوع الشمس وركعتين قبل غروبها، والأول أولى (ومن الليل فسبحه) من للتبعيض: أي سبحه بعض الليل، وقيل هي صلاة الليل، وقيل ركعتا الفجر، وقيل صلاة العشاء، والأول أولى (وإدبار السجود) أي وسبحه أعقاب الصلوات، قرأ الجمهور " أدبار " بفتح الهمزة جمع دبر. وقرأ