منكرون) ارتفاع قوم على أنه خبر مبتدإ محذوف: أي أنتم منكرون. قيل إنه قال هذا في نفسه ولم يخاطبهم به، لأن ذلك يخالف الإكرام. قيل إنه أنكرهم لكونهم ابتدءوا بالسلام ولم يكن ذلك معهودا عند قومه، وقيل لأنه رأى فيهم ما يخالف بعض الصور البشرية، وقيل لأنه رآهم على غير صورة الملائكة الذين يعرفهم، وقيل غير ذلك (فراغ إلى أهله) قال الزجاج: أي عدل إلى أهله، وقيل ذهب إليهم في خفية من ضيوفه، والمعنى متقارب وقد تقدم تفسيره في سورة الصافات. يقال راغ وارتاغ بمعنى طلب، وماذا يريغ: أي يريد ويطلب، وأراغ إلى كذا: مال إليه سرا وحاد (فجاء بعجل سمين) أي فجاء ضيفه بعجل قد شواه لهم كما في سورة هود - بعجل حنيذ - وفي الكلام حذف تدل عليه الفاء الفصيحة: أي فذبح عجلا فحنذه فجاء به (فقربه إليهم) أي قرب العجل إليهم ووضعه بين أيديهم ف (قال ألا تأكلون) الاستفهام للإنكار، وذلك أنه لما قربه إليهم لم يأكلوا منه.
قال في الصحاح: العجل ولد البقر، والعجول مثله والجمع العجاجيل والأنثى عجلة، وقيل العجل في بعض اللغات الشاة (فأوجس منهم خيفة) أي أحس في نفسه خوفا منهم لما لم يأكلوا مما قربه إليهم. وقيل معنى أوجس أضمر، وإنما وقع له ذلك لما لم يتحرموا بطعامه، ومن أخلاق الناس أن من أكل من طعام إنسان صار آمنا منه، فظن إبراهيم أنهم جاءوا للشر ولم يأتوا للخير. وقيل إنه وقع في قلبه أنهم ملائكة، فلما رأوا ما ظهر عليه من أمارات الخوف (قالوا لا تخف) وأعلموه أنهم ملائكة مرسلون إليه من جهة الله سبحانه (وبشروه بغلام عليم) أي بشروه بغلام يولد له كثير العلم عند أن يبلغ مبالغ الرجال، والمبشر به عند الجمهور هو إسحاق. وقال مجاهد وحده: إنه إسماعيل، وهو مردود بقوله - وبشرناه بإسحاق - وقد قدمنا تحقيق هذا المقام بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره (فأقبلت امرأته في صرة) لم يكن هذا الإقبال من مكان إلى مكان، وإنما هو كقولك: أقبل يشتمني أي أخذ في شتمي، كذا قال الفراء وغيره، والصرة الصيحة والضجة، وقيل الجماعة من الناس. قال الجوهري: الصرة:
الضجة والصيحة، والصرة: الجماعة، والصرة الشدة من كرب أو غيره، والمعنى: أنها أقبلت في صيحة، أو في ضجة، أو في جماعة من الناس يستمعون كلام الملائكة، ومن هذا قول امرئ القيس:
فألحقه بالهاديات ودونه * جراجرها في صرة لم تزيل وقوله (في صرة) في محل نصب على الحال (فصكت وجهها) أي ضربت بيدها على وجهها كما جرت بذلك عادة النساء عند التعجب. قال مقاتل والكلبي: جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا، ومعنى الصك: ضرب الشئ بالشئ العريض، يقال صكه: أي ضربه (وقالت عجوز عقيم) أي كيف ألد وأنا عجوز عقيم، استبعدت ذلك لكبر سنها، ولكونها عقيما لا تلد (قالوا كذلك قال ربك) أي كما قلنا لك وأخبرناك قال: ربك فلا تشكي في ذلك ولا تعجبي منه، فإن ما أراده الله كائن لا محالة ولم نقل ذلك من جهة أنفسنا، وقد كانت إذ ذاك بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة سنة، وقد سبق بيان هذا مستوفي، وجملة (إنه هو الحكيم العليم) تعليل لما قبلها: أي حكيم في أفعاله وأقواله، عليم بكل شئ، وجملة (قال فما خطبكم أيها المرسلون) مستأنفة جوابا عن سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قال إبراهيم بعد هذا القول من الملائكة، والخطب الشأن والقصة، والمعنى: فما شأنكم وما قصتكم أيها المرسلون من جهة الله، وما ذاك الأمر الذي لأجله أرسلكم سوى هذه البشارة (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين) يريدون قوم لوط (لنرسل عليهم حجارة من طين) أي لنرجمهم بحجارة من طين متحجر، وانتصاب (مسومة) على الصفة لحجارة، أو على الحال في الضمير المستكن في الجار والمجرور، أو من الحجارة لكونها قد وصفت بالجار والمجرور، ومعنى (مسومة) معلمة بعلامات تعرف بها، قيل كانت