سورة براءة الآية (71 - 72) قوله (بعضهم أولياء بعض) أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله، ثم ببين أوصافهم الحميدة كما بين أوصاف من قبلهم من المنافقين (يأمرون بالمعروف) أي بما هو معروف في الشرع غير منكر، ومن ذلك توحيد الله سبحانه وترك عبادة غيره (وينهون عن المنكر) أي عما هو منكر في الدين غير معروف، وخصص إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بالذكر من جملة العبادات لكونهما الركنين العظيمين فيما يتعلق بالأبدان والأموال، وقد تقدم معنى هذا (ويطيعون الله) في صنع ما أمرهم بفعله أو نهاهم عن تركه، والإشارة ب (أولئك) إلى المؤمنين والمؤمنات المتصفين بهذه الأوصاف، والسين في (سيرحمهم الله) للمبالغة في إنجاز الوعد (إن الله عزيز) لا يغالب (حكيم) في أقواله وأفعاله، ثم ذكر تفصيل ما يدخل تحت الرحمة إجمالا باعتبار الرحمة في الدار الآخرة فقال (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار) والإظهار في موقع الإضمار لزيادة التقرير، ومعنى جرى الأنهار من تحت الجنات أنها تجرى تحت أشجارها وغرفها، وقد تقدم تحقيقه في البقرة (ومساكن طيبة) أي منازل يسكنون فيها من الدر والياقوت، و (جنات عدن) يقال عدن بالمكان: إذا أقام به، ومنه المعدن، قيل هي أعلى الجنة، وقيل أوسطها، وقيل قصور من ذهب لا يدخلها إلا نبي أو صديق أو شهيد. وصف الجنة بأوصاف: الأول جرى الأنهار من تحتها، والثاني أنهم فيها خالدون، والثالث طيب مساكنها، والرابع أنها دار عدن: أي إقامة غير منقطعة، هذا على ما هو معنى عدن لغة، وقيل هو علم، والتنكير في رضوان للتحقير: أي (ورضوان) حقير يستر (من) رضوان (الله أكبر) من ذلك كله الذي أعطاهم الله إياه، وفيه دليل على أنه لا شئ من النعم وإن جلت وعظمت يماثل رضوان الله سبحانه، وأن أدنى رضوان منه لا يساويه شئ من اللذات الجسمانية وإن كانت على غاية ليس وراءها غاية، اللهم ارض عنا رضا لا يشوبه سخط ولا يكدره نكد، يا من بيده الخير كله دقه وجله، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم مما وعد الله به المؤمنين والمؤمنات (هو الفوز العظيم) دون كل فوز مما يعده الناس فوزا.
وقد أخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله (يأمرون بالمعروف) قال: يدعون إلى الإيمان بالله ورسوله والنفقات في سبيل الله وما كان من طاعة الله (وينهون عن المنكر) عن الشرك والكفر قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الله كتبها الله على المؤمنين. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (بعضهم أولياء بعض) قال: إخاؤهم في الله يتحابون بحلال الله والولاية لله، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأحاديث ما هو معروف. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن الحسن قال: سألت عمران بن حصين وأبا هريرة عن تفسير قوله تعالى (ومساكن طيبة في جنات عدن) قالا: على الخبير