وما، يعبر به عن الواحد والجمع، يقال: خضت الماء أخوضه خوضا وخياضا، والموضع مخاضة، وهو ما جاز الناس فيه مشاة وركبانا، وجمعها المخاض والمخاوض، ويقال منه خاض القوم في الحديث وتخاوضوا فيه أي تفاوضوا فيه والمعنى: خضتم في أسباب الدنيا واللهو واللعب، وقيل في أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالتكذيب: أي دخلتم في ذلك، والإشارة بقوله (أولئك) إلى المتصفين بهذه الأوصاف من المشبهين، والمشبه بهم (حبطت أعمالهم) أي بطلت، والمراد بالأعمال ما عملوه مما هو في صورة طاعة، لا هذه الأعمال المذكورة هنا فإنها من المعاصي، ومعنى (في الدنيا والآخرة) أنها باطلة على كل حال: أما بطلانها في الدنيا فلأن ما يترتب على أعمالهم فيها لا يحصل لهم بل يصير ما يرجونه من الغني فقرا، ومن العز ذلا، ومن القوة ضعفا، وأما في الآخرة فلأنهم يصيرون إلى عذاب النار ولا ينتفعون بشئ مما عملوه من الأعمال التي يظنونها طاعة وقربة (وأولئك هم الخاسرون) أي المتمكنون في الخسران الكاملون فيه في الدنيا والآخرة (ألم يأتهم) أي المنافقين (نبأ الذين من قبلهم) أي خبرهم الذي له شأن، وهو ما فعلوه وما فعل بهم، ولما شبه حالهم بحالهم فيما سلف على الإجمال في المشبه بهم ذكر منهم ههنا ست طوائف قد سمع العرب أخبارهم، لأن بلادهم وهي الشام قريبة من بلاد العرب، فالاستفهام للتقرير، وأولهم قوم نوح وقد أهلكوا بالإغراق، وثانيهم قوم عاد وقد أهلكوا بالريح العقيم، وثالثهم قوم ثمود وقد أخذوا بالصيحة، ورابعهم قوم إبراهيم وقد سلط الله عليهم البعوض، وخامسهم أصحاب مدين وهم قوم شعيب وقد أخذتهم الرجفة.
وسادسهم أصحاب المؤتفكات وهي قرى قوم لوط وقد أهلكهم الله بما أمطر عليهم من الحجارة، وسميت مؤتفكات لأنها انقلبت بهم حتى صار عاليها سافلها والائتفاك الانقلاب (أتتهم رسلهم بالبيات) أي رسل هذه الطوائف الست، وقيل رسل أصحاب المؤتفكات لأن رسولهم لوط وقد بعث إلى كل قرية من قراهم رسولا، والفاء في (فما كان الله ليظلمهم) للعطف على مقدر يدل عليه الكلام: أي فكذبوهم فأهلكهم الله فما ظلمهم بذلك، لأنه قد بعث إليهم رسله فأنذروهم وحذروهم (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) بسبب ما فعلوه من الكفر بالله وعدم الانقياد لأنبيائه، وهذا التركيب يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان مستمرا.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (يأمرون بالمنكر) قال: هو التكذيب، قال: وهو أنكر المنكر (وينهون عن المعروف) شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما أنزل الله، وهو أعظم المعروف. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله (ويقبضون أيديهم) قال: لا يبسطونها بنفقة في في حق. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (نسوا الله فنسيهم) قال: تركوا الله فتركهم من كرامته وثوابه. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (كالذين من قبلكم) قال: صنيع الكفار كالكفار.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ما أشبه الليلة بالبارحة (كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة) إلى قوله (وخضتم كالذي خاضوا) هؤلاء بنو إسرائيل أشبهناهم، والذي نفسي بيده لنتبعنهم حتى لو دخل رجل جحر ضب لدخلتموه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عنه في قوله (بخلاقهم) قال: بدينهم وأخرجا أيضا عن أبي هريرة قال الخلاق الدين: الدين. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله (فاستمتعوا بخلاقهم) قال: بنصيبهم في الدنيا. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله (وخضتم كالذي خاضوا) قال: لعبتم كالذي لعبوا. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (والمؤتفكات) قال: قوم لوط ائتفكت بهم أرضهم، فجعل عاليها سافلها.