يوم يلقونه) الفاعل هو الله سبحانه: أي فأعقبهم الله بسبب البخل الذي وقع منهم والإعراض نفاقا كائنا في قلوبهم، متمكنا منها، مستمرا فيها (إلى يوم يلقون) الله عز وجل، وقيل إن الضمير يرجع إلى البخل: أي فأعقبهم البخل بما عاهدوا الله عليه نفاقا كائنا في قلوبهم إلى يوم يلقون بخلهم: أي جزاء بخلهم. ومعنى (فأعقبهم) أن الله سبحانه جعل النفاق المتمكن في قلوبهم إلى تلك الغاية عاقبة ما وقع منهم من البخل، والباء في (بما أخلفوا الله ما وعدوه) للسببية: أي بسبب إخلافهم لما وعدوه من التصدق والصلاح، وكذلك الباء في (وبما كانوا يكذبون) أي وبسبب تكذيبهم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أنكر عليهم فقال (ألم يعلموا) أي المنافقون، وقرئ بالفوقية خطايا للمؤمنين (أن الله يعلم سرهم ونجواهم) أي جميع ما يسرونه من النفاق وجميع ما يتناجون به فيما بينهم من الطعن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أصحابه، وعلى دين الإسلام (وأن الله علام الغيوب) فلا يخفى عليه شئ من الأشياء المغيبة كائنا ما كان، ومن جملة ذلك ما يصدر عن المنافقين. قوله (الذين يلمزون المطوعين) الموصول محله النصب، أو الرفع على الذم، أو الجر بدلا من الضمير في سرهم ونجواهم ومعنى (يلمزون) يعيبون. وقد تقدم تحقيقه، والمطوعين: أي المتطوعين، والتطوع: التبرع. والمعنى: أن المنافقين كانوا يعيبون المسلمين إذا تطوعوا بشئ من أموالهم وأخرجوه للصدقة فكانوا يقولون: ما أغنى الله عن هذا، ويقولون: ما فعلوا هذا إلا رياء، ولم يكن لله خالصا، و (في الصدقات) متعلق بيلمزون: أي يعيبونهم في شأنها. قوله (والذين لا يجدون إلا جهدهم) معطوف على المطوعين: أي يلمزون المتطوعين، ويلمزون الذين لا يجدون إلا جهدهم، وقيل معطوف على المؤمنين: أي يلمزون المتطوعين من المؤمنين، ومن الذين لا يجدون إلا جهدهم، وقرئ " جهدهم " بفتح الجيم، والجهد بالضم الطاقة، وبالفتح المشقة، وقيل هما لغتان ومعناهما واحد وقد تقدم بيان ذلك. والمعنى: أن المنافقين كانوا يعيبون فقراء المؤمنين الذين كانوا يتصدقون بما فضل عن كفايتهم. قوله (فيسخرون منهم) معطوف على يلمزون: أي يستهزءون بهم لحقارة ما يخرجونه في الصدقة مع كون ذلك جهد المقل وغاية ما يقدر عليه ويتمكن منه. قوله (سخر الله منهم) أي جازاهم على ما فعلوه من السخرية بالمؤمنين بمثل ذلك فسخر الله منهم بأن أهانهم وأذلهم وعذبهم، والتعبير بذلك من باب المشاكلة كما في غيره، وقيل هو دعاء عليهم بأن يسخر الله بهم كما سخروا بالمسلمين (ولهم عذاب أليم) أي ثابت مستمر شديد الألم.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والعسكري في الأمثال والطبراني وابن منده والبارودي وأبو نعيم وابن مردويه وابن عساكر أبي أمامة الباهلي قال: جاء ثعلبة بن حاطب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، قال: ويلك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه، قال يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، قال: ويحك يا ثعلبة أما تحب أن تكون مثلي، فلو شئت أن يسير ربي هذه الجبال معي ذهبا لسارت، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا، فوالذي بعثك بالحق إن آتاني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه، قال: ويحك يا ثعلبة قليل تطيق شكره خير من كثير لا تطيقه، قال: يا رسول الله ادع الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم ارزقه مالا، قال: فاتخذ غنما فنمت كما تنمو الدود حتى ضاقت بها المدينة، فتنحى بها فكان يشهد الصلاة بالنهار مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يشهدها بالليل، ثم نمت كما تنمو الدود فضاق بها، فمكان لا يشهد الصلاة بالليل ولا بالنهار إلا من جمعة إلى جمعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نمت كما تنمو الدود فضاق بها مكانه، فتنحى بها فكان لا يشهد جمعة ولا جنازة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يتلقى الركبان ويسألهم عن الأخبار،