متعجب من حسنه، قيل مع نوع من الافتخار واعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه، والمعنى: لا تستحسن ما معهم من الأموال والأولاد (إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) بما يحصل معهم من الغم والحزن عند أن يغنمها المسلمون ويأخذوها قسرا من أيديهم مع كونها زينة حياتهم وقرة أعينهم، وكذا في الآخرة يعذبهم بعذاب النار بسبب عدم الشكر لربهم الذي أعطاهم ذلك، وترك ما يجب عليهم من الزكاة فيها، والتصدق بما يحق التصدق به وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة لأنهم منافقون، فهم ينفقون كارهين فيعذبون بما ينفقون. قوله (وتزهق أنفسهم وهم كافرون) الزهوق: الخروج بصعوبة، والمعنى: أن الله يريد أن تزهق أنفسهم وتخرج أرواحهم حال كفرهم لعدم قبولهم لما جاءت به الأنبياء وأرسلت به الرسل، وتصميمهم على الكفر وتماديهم في الضلالة، ثم ذكر الله سبحانه نوعا آخر من قبائح المنافقين فقال (ويحلفون بالله إنهم لمنكم) أي من جملتكم في دين الإسلام والانقياد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكتاب الله سبحانه (وما هم منكم) في ذلك إلا بمجرد ظواهرهم دون بواطنهم (ولكنهم قوم يفرقون) أي يخافون أن ينزل بهم ما نزل بالمشركين من القتل والسبي، فيظهرون لكم الإسلام تقية منهم لا عن حقيقة (لو يجدون ملجأ) يلتجئون إليه ويحفظون نفوسهم فيه منكم من حصن أو غيره (أو مغارات) جمع مغارة، من غار يغير. قال الأخفش: ويجوز أن يكون من أغار يغير، والمغارات: الغيران والسراديب، وهي المواضع التي يستتر فيها، ومنه غار الماء وغارت العين، والمعنى: لو وجدوا أمكنة يغيبون فيها أشخاصهم هربا منكم (أو مدخلا) من الدخول: أي مكانا يدخلون فيه من الأمكنة التي ليست مغارات. قال النحاس: الأصل فيه متدخل قلبت التاء دالا، وقيل أصله مدتخل. وقرأ أبي " متدخلا " وروى عنه أنه قرا " مندخلا " بالنون. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وابن محيصن " أو مدخلا " بفتح الميم وإسكان الدال. قال الزجاج: ويقرأ " أو مدخلا " بضم الميم وإسكان الدال. وقرأ الباقون بتشديد الدال مع ضم الميم (لولوا إليه) أي لالتجئوا إليه وأدخلوا أنفسهم فيه (و) الحال أن (هم يجمحون) أي يسرعون إسراعا لا يردهم شئ، من جمح الفرس: إذا لم يرده اللجام، ومنه قول الشاعر:
سبوح جموح وإحضارها * كمعمعة السعف الموقد والمعنى: لو وجدوا شيئا من هذه الأشياء المذكورة لولوا إليه مسرعين هربا من المسلمين.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبار السوء يقولون: إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا، فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي وأصحابه، فساءهم ذلك فأنزل الله (إن تصبك حسنة تسؤهم) الآية. وأخرج سنيد وابن جرير عن ابن عباس (إن تصبك حسنة تسؤهم) يقول: إن يصبك في سفرك هذه الغزوة تبوك حسنة تسؤهم قال: الجد وأصحابه، يعني الجد بن قيس. وأخرج أبو الشيخ عن السدي (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) قال: إلا ما قضى الله لنا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال (هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين) قال: فتح أو شهادة. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله (أو بأيدينا) قال: القتل بالسيوف وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: قال الجد بن قيس إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ولكن أعينك بمالي، قال: ففيه نزلت (قل أنفقوا طوعا أو كرها) الآية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (فلا تعجبك أموالهم) قال: هذه من تقاديم الكلام، يقول: لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: إنما يريد الله ليعذبهم بها