الأولى: هو أنه أذن خير وأنه هو رحمة للمؤمنين، وعلى القراءة الثانية: أنه أذن خير وأذن رحمة. قال النحاس:
وهذا عند أهل العربية بعيد، يعني قراءة الجر لأنه قد تباعد بين الاسمين، وهذا يقبح في المخفوض. والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن خير للمنافقين (ورحمة) لهم حيث لم يكشف أسرارهم ولا فضحهم، فكأنه قال:
هو أذن كما قلتم لكنه أذن خير لكم لا أذن سوء، فسلم لهم قولهم فيه إلا أنه فسره بما هو مدح له وثناء عليه، وإن كانوا قصدوا به المذمة والتقصير بفطنته، ومعنى (للذين آمنوا منكم) أي الذين أظهروا الإيمان وإن لم يكونوا مؤمنين حقيقة (والذين يؤذون رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم بما تقدم من قولهم: هو أذن، ونحو ذلك مما يصدق عليه أنه أذية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لهم عذاب أليم) أي شديد الألم. وقرأ ابن أبي عبلة " ورحمة للمؤمنين " بالنصب على أنها علة لمعلل محذوف: أي ورحمة لكم يأذن لكم. ثم ذكر أن من قبائح المنافقين إقدامهم على الإيمان الكاذبة، فقال (يحلفون بالله لكم ليرضوكم) والخطاب للمؤمنين. وذلك أن المنافقين كانوا في خلواتهم يطعنون على المؤمنين وعلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا بلغ ذلك إلى رسول الله وإلى المؤمنين جاء المنافقون فحلفوا على أنهم لم يقولوا ما بلغ عنهم قاصدين بهذه الأيمان الكاذبة أن يرضوا رسول الله ومن معه من المؤمنين فنعى الله ذلك عليهم، وقال (والله ورسوله أحق أن يرضوه) أي هما أحق بذلك من إرضاء المؤمنين بالأيمان الكاذبة، فإنهم لو اتقوا الله وآمنوا به وتركوا النفاق لكان ذلك أولى لهم، وإفراد الضمير في يرضوه إما للتعظيم للجناب الإلهي بإفراده بالذكر أو أو لكونه لا فرق بين إرضاء الله وإرضاء رسوله، فإرضاء الله إرضاء لرسوله، أو المراد: الله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك كما قال سيبويه، ورجحه النحاس: أو لأن الضمير موضوع موضع اسم الإشارة فإنه يشار به إلى الواحد والمتعدد، أو الضمير راجع إلى المذكور، وهو يصدق عليهما. وقال الفراء: المعنى ورسوله أحق أن يرضوه. والله افتتاح كلام كما تقول ما شاء الله وشئت، وهذه الجملة أعني (والله ورسوله أحق أن يرضوه) في محل نصب على الحال، وجواب (إن كانوا مؤمنين) محذوف:
أي إن كانوا مؤمنين فليرضوا الله ورسوله. قوله (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم). قرأ الحسن وابن هرمز ألم تعلموا بالفوقية. وقرأ الباقون بالتحتية: والمحاددة وقوع هذا في حد، وذلك في حد كالمشاققة: يقال حاد فلان فلانا: أي صار في حد غير حده (فإن له نار جهنم) قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي فحق أن له نار جهنم. وقال الخليل وسيبويه: إن " أن " الثانية مبدلة من الأولى، وزعم المبرد أن هذا القول مردود، وأن الصحيح ما قال الجرمي أن الثانية مكررة للتوكيد لما طال الكلام. وقال الأخفش المعنى فوجوب النار له، وأنكره المبرد وقال: هذا خطأ من أجل أن " أن " المفتوحة المشددة لا يبتدأ بها ويضمر الخبر. وقرئ بكسر الهمزة. قال سيبويه، وهي قراءة جيدة، وأنشد:
وإني إذا ملت ركابي مناخها * فإني على حظى من الأمر جامح وانتصاب خالدا على الحال، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما ذكر من العذاب، وهو مبتدأ وخبره (الخزي العظيم) أي الخزي البالغ إلى الغاية التي يبلغ إليها غيره، وهو الذل والهوان. قوله (بحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة) قيل هو خبر وليس بأمر. وقال الزجاج: معناه ليحذر. فالمعنى على القول الأول: أن المنافقين كانوا يحذرون نزول القرآن فيهم، وعلى الثاني: الأمر لهم بأن يحذروا ذلك، وأن " تنزل " في موضع نصب: أي من أن تنزل، ويجوز على قول سيبويه أن يكون في موضع خفض على تقدير من وإعمالها. ويجوز أن يكون النصب على المفعولية. وقد أجاز سيبويه حذرت زيدا، وأنشد: