وفقده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عنه: فأخبروه أنه اشترى غنما، وأن المدينة ضاقت به وأخبروه خبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ويح ثعلبة بن حاطب ويح ثعلبه بن حاطب، ثم إن الله تعالى أمر رسوله أن يأخذ الصدقات، وأنزل - خذ من أموالهم صدقة - الآية، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلين، رجلا من جهينة ورجلا من بني سلمة يأخذان الصدقات، وكتب لهما أسنان الإبل والغنم كيف يأخذانها وجوهها، وأمرهما أن يمرا على ثعلبة بن حاطب وبرجل من بني سليم، فخرجا فمرا بثعلبة فسألا الصدقة، فقال: أرياني كتابكما، فنظر فيه فقال: ما هذه إلا جزية انطلقا حتى تفرغا ثم مرا إلي، فانطلقا، وسمع بهما السلمي فاستقبلهما بخيار إبله، فقالا: إنما عليك دون هذا، فقال: ما كنت أتقرب إلى الله إلا بخير مالي، فقبلا، فلما فرغا مرا بثعلبة، فقال: أرياني كتابكما، فنظر فيه فقال: ما هذه إلا جزية انطلقا حتى أرى رأيي، فانطلقا حتى قدما المدينة، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال قبل أن يكلمهما: ويح ثعلبه بن حاطب، ودعا للسلمي بالبركة، وأنزل الله (ومنهم من عاهد الله) الثلاث الآيات، قال: فسمع بعض أقارب ثعلبه، فأتى ثعلبه فقال: ويحك يا ثعلبة أنزل فيك كذا وكذا، قال: فقدم ثعلبه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
يا رسول الله هذه صدقة مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله قد منعني أن أقبل منك، فجعل يبكي ويحثي التراب على رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا عملك بنفسك أمرتك فلم تطعني، فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مضى، ثم أتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر: اقبل مني صدقتي فقد عرفت منزلتي من الأنصار، فقال أبو بكر: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقبلها؟
فلم يقبلها أبو بكر، ثم ولى عمر بن الخطاب فأتاه فقال: يا أبا حفص يا أمير المؤمنين اقبل منى صدقتي، قال:
ويثقل عليه بالمهاجرين والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمر: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أبو بكر أقبلها أنا؟ فأبى أن يقبلها، ثم ولى عثمان فسأله أن يقبل صدقته، فقال: لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أبو بكر ولا عمر وأنا أقبلها منك؟ فلم يقبلها منه، فهلك في خلافة عثمان، وفيه نزلت (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات) قال: وذلك في الصدقة، وهذا الحديث هو مروي من حديث معاذ بن رفاعة عن علي بن زيد عن أبي عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الله بن يزيد ابن معاوية عن أبي أمامة الباهلي. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله (ومنهم من عاهد الله) الآية، وذلك أن رجلا كان يقال له ثعلبة من الأنصار أتى مجلسا فأشهدهم فقال:
لئن آتاني الله من فضله آتيت كل ذي حق حقه، وتصدقت منه، وجعلت منه للقرابة، فابتلاه الله فآتاه من فضله فأخلف ما وعده، فأغضب الله بما أخلفه ما وعده، فقص الله شأنه في القرآن. وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رجلا من الأنصار هو الذي قال هذا، فمات ابن عم له فورث منه مالا فبخل به ولم يف بما عاهد الله عليه، فأعقبه بذلك نفاقا في قلبه إلى أن يلقاه. قال ذلك (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون). وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نتحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشئ كثير، فقالوا: مراء، وجاء أبو عقيل بنصف صاع، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، فنزلت (الذي يلمزون المطوعين) الآية، وفي الباب روايات كثيرة. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله (الذين يلمزون المطوعين) أي يطعنون على المطوعين.