عاصم بن عدي، وقيل حذيفة، وقيل بل سمعه ولد امرأته: أي امرأة الجلاس، واسمه عمير بن سعد، فهم الجلاس بقتله لئلا يخبر بخبره. وقيل إن هذه الآية نزلت في عبد الله بن أبي رأس المنافقين لما قال: ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل " سمن كلبك يأكلك "، و - لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل - فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فجاء عبد الله بن أبي فحلف أنه لم يقله. وقيل إنه قول جميع المنافقين وأن الآية نزلت فيهم، وعلى تقدير أن القائل واحد أو اثنان فنسبة القول إلى جميعهم هي باعتبار موافقة من لم يقول ولم يحلف من المنافقين لمن قد قال وحلف. ثم رد الله على المنافقين وكذبهم وبين أنهم حلفوا كذبا، فقال (ولقد قالوا كلمة الكفر) وهي ما تقدم بيانه على اختلاف الأقوال السابقة (وكفروا بعد إسلامهم) أي كفروا بهذه الكلمة بعد إظهارهم للإسلام وإن كانوا كفارا في الباطن. والمعنى: أنهم فعلوا ما يوجب كفرهم على تقدير صحة إسلامهم. قوله (وهموا بما لم ينالوا) قيل هو همهم بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة في غزوة تبوك، وقيل هموا بعقد التاج على رأس عبد الله بن أبي، وقيل هو هم الجلاس بقتل من سمعه يقول تلك المقالة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قوله (وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) أي وما عابوا وأنكروا إلا ما هو حقيق بالمدح والثناء، وهو إغناء الله لهم من فضله، والاستثناء مفرغ من أعم العام، وهو من باب قول النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب ومن باب قول الشاعر:
ما نقموا من بني أمية إلا * أنهم يحلمون إن غضبوا فهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم. وقد كان هؤلاء المنافقون في ضيق من العيش، فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة اتسعت معيشتهم وكثرت أموالهم. قوله (فإن يتوبوا يك خيرا لهم) أي فإن تحصل منهم التوبة والرجوع إلى الحق يكن ذلك الذي فعلوه من التوبة خير لهم في الدين والدنيا. وقد تاب الجلاس بن سويد وحسن إسلامه، وفى ذلك دليل على قبول التوبة من المنافق والكافر.
وقد اختلف العلماء في قبولها من الزنديق، فمنع من قبولها مالك وأتباعه، لأنه لا يعلم صحة توبته إذ هو في كل حين يظهر التوبة والإسلام (وإن يتولوا) أي يعرضوا عن التوبة والإيمان (يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا) بالقتل والأسر ونهب الأموال (و) في (الآخرة) بعذاب النار (وما لهم في الأرض من ولي) يواليهم (ولا نصير) ينصرهم وقد أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال: لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس والله لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير، فسمعها عمير بن سعد، فقال والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي أثرا وأعزهم على أن يدخل عليه شئ يكرهه، ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك، ولئن سكت عنها لتهلكني، ولإحداهما أشد علي من الأخرى، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له ما قال الجلاس، فحلف بالله ما قال ولكن كذب علي عمير، فأنزل الله (يحلفون بالله ما قالوا) الآية وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك قال: سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب: إن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير، قال زيد: هو والله صادق وأنت شر من الحمار، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله