الكتاب إذ الأنبياء لم يكونوا منزلين حتى ينزل الكتاب معهم، وأراد به مع بعضهم، لأنه لم ينزل مع كل نبي كتاب. وقيل: المراد به الكتب، لأن الكتاب اسم جنس فمعناه الجمع. قوله: (بالحق) أي: بالصدق والعدل. وقيل: معناه وأنزل الكتاب بأنه حق، وأنه من عند الله. وقيل: معناه وأنزل الكتاب بما فيه من بيان الحق وقوله: (ليحكم بين الناس) الضمير في (يحكم) يرجع إلى الله أي: ليحكم الله منزل الكتاب. وقيل: يرجع إلى الكتاب أي: ليحكم الكتاب، فأضاف الحكم إلى الكتاب، وإن كان الله هو الذي يحكم على جهة التفخيم لأمر الكتاب.
(فيما اختلفوا فيه) من الحق قبل إنزال الكتاب. ومتى سئل عن هذا فقيل:
إذا كانوا مختلفين في الحق، فكيف عمهم الكفر في قول من قال إنهم كانوا كلهم كفارا؟ فجوابه: إنه لا يمتنع أن يكونوا كفارا، وبعضهم يكفر من جهة الغلو، وبعضهم يكفر من جهة التقصير، كما كفرت اليهود والنصارى في المسيح، فقالت النصارى: هو رب، وقالت اليهود: هو كاذب.
وقوله: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه) معناه: وما اختلف في الحق إلا الذين أعطوا العلم به كاليهود فإنهم كتموا صفة النبي بعدما أعطوا العلم به (من بعد ما جاءتهم البينات) أي: الأدلة والحجج الواضحة. وقيل: التوراة والإنجيل. وقيل:
معجزات محمد (بغيا بينهم) أي: ظلما وحسدا، وطلبا للرئاسة، وقوله: (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه) معناه: فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه بعلمه، والإذن بمعنى العلم مشهور في اللغة، قال الحارث بن حلزة: " آذنتنا ببينها أسماء " أي: أعلمتنا، وإنما خص المؤمنين لأنهم اختصوا بالاهتداء. وقيل: إن معنى بإذنه بلطفه. فعلى هذا يكون في الكلام محذوف أي:
فاهتدوا بإذنه. وإنما قال: هداهم لما اختلفوا فيه من الحق، ولم يقل هداهم للحق فيما اختلفوا فيه، لأنه لما كانت العناية بذكر الاختلاف، كان أولى بالتقديم فقدمه، ثم فسره بمن.
(والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) فيه أقوال أحدها: إن المراد به البيان والدلالة، والصراط المستقيم هو الاسلام، وخص به المكلفين دون غيرهم ممن لا يحتمل التكليف، عن الجبائي. وثانيها: إن المراد به يهديهم باللطف، فيكون خاصا بمن علم من حاله أنه يصلح به، عن البلخي وابن الأخشيد. وثالثها: