ذلك على وجه التعجب من أنه كيف أجابه الله إلى مراده فيما دعا، وكيف استحق ذلك. ومن زعم أنه إنما قال ذلك للوسوسة التي خالطت قلبه من قبل الشيطان، أو خيلت إليه أن النداء كان من غير الملائكة، فقد أخطأ لأن الأنبياء لا بد أن يعرفوا الفرق بين كلام الملك، ووسوسة الشيطان. ولا يجوز أن يتلاعب الشيطان بهم، حتى يختلط عليهم طريق الإفهام.
(قال رب اجعل لي اية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار [41]).
الاعراب: في وزن آية فيه ثلاثة أقوال أحدها: فعلة إلا أنه شذ من جهة إعلال العين، مع كون اللام حرف علة، وإنما القياس في مثله إعلال اللام نحو حياة ونواة، ونظيرها راية وغاية وطاية والثاني: فعلة وتقديره أيية، إلا أنها قلبت كراهة التضعيف نحو طائي من طي والثالث: فاعلة منقوصة. قال علي بن عيسى: وهذا ضعيف لأن تصغيرها أيية، ولو كانت فاعلة لقالوا أويية، إلا أنه يجوز على ترخيم التصغير نحو فطيمة. والرمز: الإيماء بالشفتين، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجب والعين واليد. والأول أغلب. وقال جوبة بن عابد:
كأن تكلم الأبطال رمزا، * وغمغمة لهم مثل الهرير (1) والعشي: من حين زوال الشمس إلى غروبها، في قول مجاهد. قال الشاعر:
فلا الظل من برد الضحى يستطيعه، * ولا الفئ من برد العشي يذوق والعشاء: من لدن غروب الشمس إلى أن يولي صدر الليل. والعشاء: طعام العشي. والعشا مقصورا: ضعف العين. وأصل الباب: الظلمة. والإبكار: من حين طلوع الفجر إلى وقت الضحى. وأصله: التعجيل بالشئ، يقال: أبكر بكورا، ومنه الباكورة.
المعنى: ثم سأل الله تعالى زكريا علامة يعرف بها وقت حمل امرأته، ليزيد في العبادة شكرا. وقيل: ليتعجل السرور به، عن الحسن ف (قال رب اجعل لي آية)