للعبادة، مخلصا لها، عن الشعبي. وقيل: عتيقا خالصا لطاعتك لا أستعمله في منافعي، ولا أصرفه في الحوائج، عن محمد بن جعفر بن الزبير. قالوا: وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة يقوم عليها، ويكنسها ويخدمها، لا يبرح حتى يبلغ الحلم، ثم يخير فإن أحب أن يقيم فيه أقام، وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء.
قالوا: وكانت حنة قد أمسك عنها الولد، فدعت حتى أيست. فبينا هي تحت شجرة، إذ رأت طائرا يزق فرخا له، فتحركت نفسها للولد، فدعت الله أن يرزقها ولدا، فحملت بمريم. وروي عن أبي عبد الله قال: أوحى اله تعالى إلى عمران:
إني واهب لك ذكرا مباركا، يبرئ الأكمه والأبرص، ويحي الموتى بإذن الله، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل. فحدث امرأته حنة بذلك، وهي أم مريم. فلما حملت بها قالت: رب إني نذرت لك ما في بطني محررا (فتقبل مني) أي: نذري قبول رضا.
(إنك أنت السميع) لما أقوله (العليم) بما أنوي فلهذا صحت الثقة لي.
(فلما وضعتها) قيل: إن عمران هلك وهي حامل، فوضعت بعد ذلك، يعني ولدت مريم، وكانت ترجو أن يكون غلاما. فلما وضعتها خجلت واستحيت، و (قالت) منكسة رأسها: (ربي إني وضعتها أنثى) وقيل فيه قولان أحدهما: إن المراد به الاعتذار من العدول عن النذر لأنها أنثى والآخر: إن المراد تقديم الذكر في السؤال لها بأنها أنثى، لأن سعيها أضعف، وعقلها أنقص. فقدم ذكرها ليصح القصد لها في السؤال بقولها: (وإني أعيذها بك).
(والله أعلم بما وضعت) إخبار منه تعالى بأنه أعلم بوضعها، لأنه هو الذي خلقها وصورها. وعلى القراءة الأخرى: وأنت يا رب أعلم مني بما وضعت (وليس الذكر كالأنثى) لأنها لا تصلح لما يصلح الذكر له، وإنما كان يجوز لهم التحرير في الذكور دون الإناث، لأنها لا تصلح لما يصلح له الذكر من التحرير لخدمة بيت المقدس، لما يلحقها من الحيض والنفاس والصيانة عن التبرج للناس. وقال قتادة:
لم يكن التحرير إلا في الغلمان فيما جرت به العادة. وقيل: أرادت أن الذكر أفضل من الأنثى على العموم، وأصلح للأشياء. والهاء في قوله (وضعتها) كناية عن ما في قوله (ما في بطني) وجاز ذلك لوقوع (ما) على مؤنث، ويحتمل أن يكون كناية عن معلوم دل عليه الكلام (وإني سميتها) أي: جعلت اسمها (مريم) وهي بلغتهم