ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم! فكبر رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " تكبيرة فتح، وكبر المسلمون. ثم ضربها رسول الله الثالثة، فكسرها، فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم! فكبر رسول الله تكبيرة فتح، وكبر المسلمون. وأخذ بيد سلمان، ورقي.
فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت منك قط!
فالتفت رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " إلى القوم وقال: رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: ضربت ضربتي الأولى، فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت ضربتي الثانية، فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور الحمر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت ضربتي الثالثة، فبرق الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور صنعاء، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل أن أمتي طاهرة عليها، فأبشروا. فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق، وعدنا النصر بعد الحصر.
فقال المنافقون: ألا تعجبون يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق، ولا تستطيعون أن تبرزوا؟ فنزل القرآن: (وإذ يقول المنافقون الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) وأنزل الله في هذه القصة: (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك) الآية. رواه الثعلبي بإسناده عن عمرو بن عوف.
المعنى: لما ذكر سبحانه مكائد أهل الكتاب، علم رسوله محاجتهم، وكيف يجيبهم إذا سألوا وأجابوا، فقال: (قل) يا محمد (اللهم) يا الله (مالك الملك) مالك كل ملك وملك، فكل مالك دونك هالك، وكل ملك دونك يهلك. وقيل:
مالك العباد وما ملكوا، عن الزجاج. وقيل: مالك أمر الدنيا والآخرة. وقيل: مالك النبوة، عن مجاهد، وسعيد بن جبير (تؤتي الملك من تشاء) تعطي الملك من تشاء. وفيه محذوف أي: من تشاء أن تؤتيه (وتنزع الملك ممن تشاء) أن تنزعه منه، كما تقول: خذ ما شئت، ودع ما شئت، ومعناه: وتقطع الملك عمن تشاء أن تقطعه عنه، على ما توجبه الحكمة، وتقتضيه المصلحة. واختلف في معناه فقيل:
تؤتي الملك وأسباب الدنيا محمدا وأصحابه وأمته، وتنزعه عن صناديد قريش، ومن