فمن قرأ (فتذكر) كان ممن جعل بالتضعيف. ومن قرأ (فتذكر): كان ممن نقل بالهمزة، وكلاهما سائغ. والمفعول الثاني في قوله (فتذكر إحداهما الأخرى) محذوف، والمعنى فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة التي تحملتاها. وأما قراءة الأكثرين وهو (أن تضل) بفتح الألف فأن يتعلق فيها بفعل مضمر دل عليه هذا الكلام، وذلك أحد ثلاثة أشياء: الأول: هو ان قوله (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) يدل على قولك (واستشهدوا رجلا وامرأتين). وعلى هذا فتقديره:
فليشهد رجل وامرأتان. فتعلق (أن) إنما هو بهذا الفعل. والثاني: ما قاله أبو الحسن وهو: إن تقديره فليكن رجل وامرأتان. وعلى هذا فيكون معناه فليحدث شهادة رجل وامرأتين، حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. والثالث: أن يضمر خبر المبتدأ الذي هو (فرجل وامرأتان) أي: فرجل وامرأتان يشهدون، فيكون يشهدون العامل في أن وموضع إضماره فيمن فتح الهمزة من (أن تضل) قبل أن، وفيمن كسر (إن) بعد انقضاء الشرط بجزائه. وأما موضع (أن) هذه فنصب، وتقديره لأن تضل إحداهما فتذكر.
فإن قيل: فإن الشهادة إنما وقعت للذكر والحفظ، لا للضلال الذي هو النسيان؟ فجوابه: إن سيبويه قد قال: أمر بالإشهاد لأن تذكر إحداهما الأخرى، وإنما ذكر (أن تضل) لأنه سبب الإذكار، كما يقول القائل: أعددته أن يميل الحائط فأدعمه وهو لا يطلب بذلك ميلان الحائط، ولكنه أخبر بعلة الدعم وسببه. وقوله فتذكر أو فتذكر بالنصب معطوف على الفعل المنصوب بأن.
وأما قراءة من قرأ (إلا أن تكون تجارة حاضرة) بالرفع فالوجه فيها أن يكون كان بمعنى وقع وحدث، فكأنه قال: إلا أن تقع تجارة حاضرة، مثل قوله: (وإن كان ذو عسرة). وأما من نصب (تجارة حاضرة) فيكون على خبر كان، ولم يخل اسم كان من أحد شيئين أحدهما: أن يكون ما يقتضيه الكلام من الإشهاد والارتهان، قد علم من فحواه التبايع، فأضمر التبايع لدلالة الحال عليه، كما يقال: إذا كان غدا فأتني.
والآخر: أن يكون أضمر التجارة، فكأنه قال: إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة، ومثل ذلك قول الشاعر (1):
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي، * إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا