النزول: روي عن أبي عبد الله " عليه السلام " أنها نزلت في أقوام لهم أموال من ربا الجاهلية، وكانوا يتصدقون منها، فنهاهم الله عن ذلك، وأمر بالصدقة من الطيب الحلال. وقيل: إنها نزلت في قوم كانوا يأتون بالحشف (1)، فيدخلونه في تمر الصدقة، عن علي " عليه السلام " والبراء بن عازب والحسن وقتادة.
المعنى: لما تقدم ذكر الانفاق، وبيان صفة المنفق، وأنه يجب أن ينوي بالصدقة التقرب، وأن يحفظها مما يبطلها من المن والأذى، بين تعالى صفة الصدقة والمتصدق عليه، ليكون البيان جامعا، فقال: (يا أيها الذين آمنوا) خاطب المؤمنين (أنفقوا) أي: تصدقوا (من طيبات ما كسبتم) أي: من حلال ما كسبتم بالتجارة، عن ابن مسعود ومجاهد. وقيل: من خياره وجياده. ونظيره قوله: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون). وروي عن عبيد بن رفاعة قال: خرج علينا رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلم " فقال: " يا معشر التجار! أنتم فجار إلا من اتقى وبر وصدق، وقال بالمال هكذا وهكذا ". وقال " عليه السلام ": " تسعة أعشار الرزق في التجارة، والجزء الباقي في السابياء ". وروت عائشة عنه أنه قال: " أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه " وقال سعيد بن عمير: " سئل النبي " صلى الله عليه وآله وسلم ": أي كسب الرجل أطيب؟ قال:
عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور ". وقال علي " عليه السلام ": من اتجر بغير علم (2)، ارتطم في الربا ثم ارتطم.
واختلفوا في ذلك على وجوه فقيل: هذا أمر بالنفقة في الزكاة، عن عبيدة السلماني والحسن. وقيل: هو في الصدقة المتطوع بها، لأن المفروض من الصدقة له مقدار من القيمة، إن قصر عنه كان دينا عليه إلى أن يؤديه بتمامه، وإن كان مال المزكي كله رديا، فجائز له أن يعطي منه، عن الجبائي. وقيل: هو الأصح أنه يدخل فيه الفرائض والنوافل، والمراد به الانفاق في سبيل الخير، وأعمال البر على العموم. وفيه دلالة على أن ثواب الصدقة من الحلال المكتسب، أعظم منه من الحلال غير المكتسب، وإنما كان ذلك، لأنه يكون أشق عليه.
(ومما أخرجنا لكم من الأرض) أي: وأنفقوا، وأخرجوا من الغلات والثمار، مما يجب فيه الزكاة. (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) أي: لا تقصدوا الردئ من