الاعراب: (إذا) ظرف زمان للفعل الذي يدل عليه قوله: (فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني) تقديره: فأخبره يا محمد أني بهذه الصفة، ولا يجوز أن يعمل فيه قريب أو أجيب، لأن معمول إن لا يجوز أن يعمل فيما قبل إن لما بين في موضعه. وقوله (أجيب) في موضع رفع بأنه خبر إن أيضا، فهو خبر بعد خبر.
النزول: روي عن الحسن أن سائلا سأل النبي " صلى الله عليه وآله وسلم ": أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزلت الآية. وقال قتادة: نزلت جوابا لقوم سألوا النبي كيف ندعو.
المعنى: لما ذكر سبحانه الصوم، عقبه بذكر الدعاء ومكانه منه، وإجابته إياه، فقال: (وإذا سألك عبادي عني) الأقرب أن يكون السؤال عن صفته سبحانه، لا عن فعله، لقوله سبحانه: (فإني قريب) وفيه حذف أي: فقل إني قريب. فدل بهذا على أنه سبحانه لامكان له، إذ لو كان له مكان، لم يكن قريبا من كل من يناجيه.
وقيل: معناه إني سريع الإجابة إلى دعاء الداعي، لأن السريع والقريب متقاربان.
وقيل: معناه إني أسمع دعاء الداعي كما يسمعه القريب المسافة منهم. فجاءت لفظة (قريب) بحسن البيان بها. فأما قريب المسافة فلا يجوز عليه سبحانه، لأن ذلك إنما يتصور فيمن كان متمكنا في مكان، وذلك من صفات المحدثات.
وقوله: (أجيب دعوة الداع إذا دعان) مفهوم المعنى. وقوله (فليستجيبوا لي) قال أبو عبيدة: معناه فليجيبوني فيما دعوتهم إليه. وقال المبرد والسراج: معناه فليذعنوا للحق بطلب موافقة ما أمرتهم به، ونهيتهم عنه. وقال مجاهد: معناه فليستجيبوا لي بالطاعة. وقيل: معناه فليدعوني. وروي عن النبي " صلى الله عليه وآله وسلم ": " أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام ".
(وليؤمنوا بي) أي: وليصدقوا بجميع ما أنزلته. وروي عن أبي عبد الله أنه قال: وليؤمنوا بي أي: وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوه. (لعلهم يرشدون) أي: لعلهم يصيبون الحق، ويهتدون إليه. فإذا سئل فقيل: نحن نرى كثيرا من الناس يدعون الله فلا يجيبهم، فما معنى قوله (أجيب دعوة الداع إذا دعان). فالجواب: إنه ليس أحد يدعو الله على ما توجبه الحكمة، إلا أجابه الله، فإن الداعي إذا دعاه يجب أن يسأل ما فيه صلاح له في دينه، ولا يكون فيه مفسدة له، ولا لغيره، ويشترط ذلك بلسانه، أو ينويه بقلبه. فالله سبحانه يجيبه إذا اقتضت المصلحة إجابته، أو يؤخر الإجابة إن كانت المصلحة في التأخير.