يحترز عنه في قوانين الشريعة لأن الأول ضرار على العامل والثاني على المالك فإن قلت يمكن أن يحترز عن ذلك بتقويم المالك العروض حين التسليم إلى العامل فيرجع إلى النقد ولا يلزم شئ من المحذورين لحصول الضبط المقصود قلت هذا التقويم لا وجه له لأنه إن كان بيعا فلا معنى لبيع المالك ماله على وكيله فإن اعتبر شراؤه لنفسه لزم أن يكون تلفه وخسرانه قبل الدوران منه لأنه ماله اشتراه وأن يجوز له التصرف كيف شاء وغير ذلك من لوازم الملكية وهي بأسرها ممنوعة اتفاقا وأيضا يلزم أن يكون رأس المال حقيقة هو الثمن الذي وقع به التقويم دون نفس العروض فيكون القراض واقعا بالدين وهو فاسد بالنص والاجماع كما يأتي وإن لم يكن بيعا والعروض مال المالك والتلف والخسران منه انتفت فائدة التقويم وكان رأس المال هو الثمن الذي بيع به العروض وهو قد يزيد عن قدر تقويم المالك وقد ينقص عنه وكيف كان فهو غير ما وقع عليه العقد فيكون فاسدا فتأمل وثانيها أن يكون مقداره معلوما عند العقد لترتفع الجهالة عنه فلا تكفي المشاهدة على المشهور خلافا لمن اكتفى بها لزوال معظمها بها وثالثها أن يكون معينا ولو مشاعا لأن المشاع معين في نفسه فلا يصح بالدين لأن الثابت في الذمة أمر كلي غير منضبط وفي رواية السكوني عن أمير المؤمنين (ع) في رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولا يكون عنده ما يقضيه فيقول هو عندك مضاربة فقال لا يصلح حتى يقبضه منه واشتراطه مقطوع به في كلامهم ويحتمل أن يكون قد اكتفى عنه المصنف بالشرط الأول بأن يريد بالنقد ما يعم معناه الآخر وهو المقابل بالنسيئة لكنه لا يسلم عن عموم الاشتراك أو باشتراط المعلومية بأن يريد بها ما يعم المقدار والعين وإن كان بعيدا وهذا من الايجازات المخلة ورابعها أن يكون سهم كل منهما من الربح معينا في العقد نصفا أو ثلثا ونحو ذلك فلا يصح تفويض نصيب العامل إلى اختيار المالك أو العكس لما فيه من الجهالة العظيمة وفتح باب التنازع وخامسها أن يكون الربح كله شايعا بينهما فلو شرط لأحدهما خمسون درهما مثلا والباقي بينهما فسد لأن الربح ربما لا يزيد على القدر المشروط فيلزم أن يختص به واحد منهما ويحرم الآخر وهو خلاف الوضع وفي صحيحة الحلبي وإن ربح فهو بينهما وفي صحيحة أبي بصير وموثقة إسحاق بن عمار والربح بينهما أما لو شرط الربح كله للمالك أو للعامل احتمل كون الأول بضاعة والثاني قرضا وإن وقعا بلفظ القراض أو المضاربة وسادسها أن يكون العمل بالمال على الوجه المقصود للمالك مقدورا للعامل فلا يصح مع عجزه عنه حين العقد إلا مع علم المالك وبدونه يضمن العامل لأن قبضه حينئذ إنما وقع على غير الوجه المأذون فيكون غارا عاديا وهل يضمن الجميع أو القدر الزايد عن مقدوره قولان وفصل ثالث بأنه إن قبض الجميع دفعة فالجميع وإن قبض مقدوره أولا ثم الزايد فالزايد لا غير ولو تجدد عجزه وجب عليه رد الزايد أو اعلام المالك ويجوز له مع اطلاق العقد تولى ما يتوليه المالك بنفسه في المعاملات من عرض القماش على المشتري ونشره وطيه والاستيجار لما جرت العادة بالاستيجار له كالحمل ووزن الأثقال ونحو ذلك بحسب حاله وابتياع المعيب والرد بالعيب وغيره كل ذلك مع الغبطة وعقد القراض ينطوي على إباحة هذه التصرفات وأمثالها عموما لتوقف المطلوب عليها فلا حاجة فيها إلى الإذن بالخصوص إما السفر به مع خوف الطريق أو أمنه والخلط بغيره من ماله أو مال غيره بحيث لا يتميز والقرض منه أو بيعه قرضا والقراض به مع غيره ونحوها مما لا يتوقف عليه الاسترباح أو يشتمل على تعرير فيقف على الإذن الخاص فلو فعل بدونه إثم وضمن الخسار والربح بينهما وإذا أذن له في شئ منها فإن أطلق تخير وإن عين كالسفر إلى جهة مخصوصة أو بلد مخصوص تعين ولا يجوز له أن يتعدى المأذون وإن كان أوفى بالمقصود وفي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يعطي الرجل المال فيقول له ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها فإن جاوزها وهلك المال فهو ضامن وإن اشترى متاعا فوضع فيه فهو عليه وإن ربح فهو بينهما وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في الرجل يعطي المال مضاربة وينهي أن يخرج به قال يضمن المال والربح بينهما وينبغي أن يشتري بالعين المدفوعة إليه أو الحاصلة في يده بالتقليب والأكثر على وجوبه لا الذمة إلا مع الإذن لما فيه من احتمال الضرر إذ ربما يتلف رأس المال فتبقي عهدة الثمن متعلقة بالمالك ولأن الحاصل بالشراء في الذمة ليس ربح هذا المال وينفق العامل في السفر على المشهور كمال نفقته مطلقا من مأكول وملبوس ومركوب ومسكن وغير ذلك بحسب حاله من الجميع وإن لم يكن ربح كما هو ظاهر صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (ع) في المضارب ما أنفق في سفره فهو من جميع المال فإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه وقيل بل الزايد على نفقة الحضر خاصة لأنه الحاصل بالسفر وأما غيره فليس السفر علة له وقيل بل نفقة السفر كلها عليه كنفقة الحضر للأصل وهو اجتهاد في مقابلة النص والأولى اشتراطها ثبوتا أو نفيا تباعدا عن الغرر والتنازع والربح وقاية لرأس المال يجبر به نقصانه بخسران أو تلف مطلقا عند المصنف ومن وافقه سواء كان في مرة واحدة وفي صفقة واحدة وفي سفرة واحدة أو أكثر إذ الربح هو الفاضل عن رأس المال في ضمن ذلك العقد فإذا لم يفضل شئ فلا ربح وقيل لا يجبر بالربح ما تلف منه قبل دورانه في التجارة بتصرف العامل فيه بالبيع والشراء وإن سافر به لعدم صدق مال القراض عليه بعد وضعف بأن المقتضي لذلك هو العقد لا الدوران المذكور ومنهم من خص الحكم بما إذا كان الخسران أو التلف بانخفاض سوق أو آفة سماوية أو نحوها مما لا يتعلق فيه الضمان بذمة الآدميين أو لو كان بغصب أو سرقة أو نحوها مما يتحقق فيه الضمان كان ذلك بمنزلة الموجود فلا حاجة إلى جبره ولأنه نقصان لا يتعلق بتصرف العامل وتجارته وهو كما ترى ولو أخذ المالك بعد الخسران شيئا ثم ربح بعد فلا يجبر به إلا خسران ما عدا المأخوذ لأنه إنما يجبر خسران رأس المال الذي ربح لا مطلق الخسران فينسب المأخوذ إلى الباقي بعد الخسار ويحسب له من الخسران بتلك النسبة فلو كان مال القراض مثلا مائة فخسر
(٢٣٩)