هكذا شقت شريعة الله طريقها إلى مجتمع بني الانسان، فكانت عقيدة تطمئن إليها القلوب، ونهجا يهتدي به الانسان في السلوك، وأطروحة شاملة تنظم حياة الانسان من المهد إلى اللحد، بل وتخطط له وهو لم يطأ المهد بعد، كما و يتبعه بعد أن واراه اللحد.
وهكذا كان الاسلام عقيدة يتألف منها كيانه (1) الفكري وأساسه العقيدي، يقوم عليها صرح عظيم من التشريعات الإلهية التي تخطط لحياة الانسان على وجه الأرض تخطيطا منسجما مع فطرة الانسان لا يتم له بدونه سعادة وهناء.
وكان من أبده ما عرفه المسلمون الأوائل أن اسلامهم دين الانسان قبل أن يكون أي شئ آخر، فهو يتبع في سعته وضيقه سعة آفاق الوجود الانساني و ضيقها، ولما كان الوجود الانساني وجودا واسع الأبعاد، بعيد الآفاق، ممتد الجوانب، فلا بد للاسلام أن لا يقصر في سعته وتعدد جوانبه وبعد مساحاته التشريعية عن سعة هذا الانسان.
فكانت هذه البديهة الاسلامية تدفع بالمسلمين إلى أن يرجعوا إلى الاسلام في كل ما يحدث لهم من شؤون، أو تطرأ عليهم من مشكلات، أو تعرضهم من قضايا، وكان الأمر سهلا حين كانوا والرسول بين أظهرهم يمدهم من تعاليم الوحي وهداياته بما يشاؤون ويحتاجون، وبعد أن أجاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دعوة ربه بقيت مشكلة الحاجة إلى أحكام الاسلام سهلة الحل إلى حد ما حتى منتصف القرن الأول الهجري وشيئا من نصفه الثاني، حيث كانت هناك باقية من صحابة الرسول صلى الله عليه وآله الذين تحملوا العلم منه صلى الله عليه وآله قدر ما وقع إليهم واستطاعوا تحمله، فكانوا مرجعا للمسلمين، يسألونهم عن رأي الاسلام في ما تطرأ عليهم من مشكلات، وتجد لهم من مسائل.
وإنما بدأت المشكلة الكبرى بعد أن غادرت (2) هذه الوجوه مجتمع المسلمين و أسلمت إلى ربها، فبقي المسلمون، وبقيت ركام المشكلات والأحداث تنتظر