ومن أثر المعاصي أيضا: التعزيرات والحدود الشرعية على حسب عظم المعصية وصغرها، وهذان الأثران مما لا نحتاج إلى ذكر ربطهما مع الأعمال، إذ هو موضوع من الباري عز ذكره على المتخلفين، بحسب ما رأى من كبر المعصية وصغرها.
ومن آثار المعاصي في الدنيا: المفاسد التي تترتب عليها في الأهل والمال والولد والنفس وروابطها واضحة، بحيث قال بعض: إن جزاء المعاصي ما ترتبه عليها الطبيعة، إذ المعصية ارتكاب خلاف النظم الذي قرره الباري سبحانه، فمن شرب الخمر نالته الأمراض الناشئة منه، والمفاسد المتولدة منه، وكذا من زنا أو أكل الربا أو قتل نفسا أو خان أو كذب أو ظلم... وذلك واضح لا ارتياب فيه، وقد استند القرآن المجيد في البلايا التي نزلت على الأمم البائدة في شتى نواحيها إلى أعمالهم فتدبر واعتبر.
وأما بعض الآثار المذكورة في الكتاب ونظائره فلم نقف على روابطها، لأن الربط بين الزنا والفجأة والتطفيف والسنة والجدب. ومنع الزكاة ومنع البركات خفي علينا جدا، بل يمكن أن يقال: إن ترتب هذه على المعاصي مبني على إرادة الحق تبارك وتعالى، من دون علقة طبيعية مادية، كالبلايا والمحن النازلة على القطبيين، من الطوفان والجراد والقمل والضفادع، وكالرجز والعذاب النازل على بني إسرائيل وسائر الأمم الغابرة البائدة، ويؤيد ذلك ما في الدعوات المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام): " اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء... " لأن ظاهر الدعاء أن غفران الله سبحانه يمحو هذه الآثار المشومة، فلو كان الذنب علة طبيعية لهذه لما أبطل عليته التوبة والاستغفار، فأشبه أن تكون تلك العواقب الخطيرة رجزا وعذابا من الله سبحانه في الدنيا، قبل قوارع يوم القارعة.