اعتقادا لا صالحا ولا فاسدا، وقد يكون من اعتقاد شئ فاسد، وهذا النحو الثاني يقال له: غي فالضلال صفة الفعل الصادر وفي الخارج باعتباره ينسب إلى الشخص ويقابله الهداية، والغي صفة نفسانية من اعتقاد فاسد أو شئ يخرجه عن واضح الأمر، فمعنى الآية الكريمة ما عدل صاحبكم عن الطريق المستقيم وما فسدت عقيدته، فالهداية والضلال من الصفات الظاهرة باعتبار الأفعال الصادرة، والرشد والغي من الصفات الباطنة، ونظيره ما أفاده بعض المفسرين من المتأخرين في الفرق بين الرحمن الرحيم، والمراد هنا: أن لا تعدلوا عن الطريق المستقيم بعد الهداية، ولا تعتقدوا اعتقادا فاسدا جهلا بعد الرشد وزوال الجهل ورفض المزاعم الباطلة.
وقال بعض المحققين: الغي هو الحرمان عن الخير، فحينئذ الفرق واضح (1).
" جاءني وفدكم " يمكن أن يكون المراد وفد عبد القيس أو غيرهم، كما يمكن أن يكون المراد الوفد الأول أو الثاني أو الثالث لعبد القيس كما تقدم.
" فلم آت فيهم " أي: في إكرامهم وإجابة طلبتهم وسائر أمورهم، ولعل في ذكر " فيهم " بدل إليهم فرق من دلالة " في " هنا على التعميم أي: في جميع شؤونهم.
" وإني لو جهدت حقي كله فيكم " وفي سائر النسخ " وإني لو جهدت حقي فيكم كله " جهدت من جهد الرجل في الشئ أي: جد فيه وبالغ يعني لو بالغت في استيفاء حقي كله لأخرجتكم من هجر.
" فشفعت شاهدكم ومننت على غائبكم " وفي سائر النسخ " فشفعت غائبكم وأفضلت على شاهدكم " وعلى الأول فالمعنى فقبلت شفاعة شاهدكم في غائبكم، ومننت عليهم أي: أحسنت إليهم وعفوت عنهم، وعلى الثاني فقبلت الشفاعة في غائبكم وأفضلت على شاهدكم بالاكرام والاحسان وقبول شفاعتهم.