الثاني: جعله لهم خزنة علمه، والخزنة: جمع خازن من خزنت الشيء خزنا من باب - ضرب -: إذا حفظته في الخزانة، ثم عبر به عن كل حفظ، ولما كان من شأن الخزنة حفظ ما يوضع في الخزائن وصيانته عن الضياع والتلف، وكانت نفوسهم الشريفة وأذهانهم الطاهرة حافظة للعلم عن ضياعه، وصائنة له عن تدنسه بأذهان غير أهله استعار لهم لفظ الخزنة، وهي استعارة مكنية تخييلية شبه العلم بالشيء النفيس الذي وضع في الخزانة وأثبت لفظ الخزنة تخييلا.
الثالث: جعله لهم حفظة دينه جمع حافظ، أي حافظين له عن وصمات الشياطين وتبديلهم وتحريفهم.
الرابع: جعله لهم خلفاءه في أرضه جمع خليف، ككريم وكرماء وهو (1) من يخلف غيره وينوب منابه، فعيل بمعنى فاعل، ومنه: وجعلكم خلفاء من بعد قوم نوح (2) ويقال: فيه خليفة بالتاء للمبالغة ويجمع (3) على خلائف، ومنه: وهو الذي جعلكم خلائف (4). ومعنى كونهم خلفاؤه (5) تعالى: قيامهم عليهم السلام باجراء أحكامه وتنفيذ أوامره في العالم وسياسة الناس وجذب النفوس الناطقة إلى جناب عزته بحسب ما أفاض عليهم من القوة على ذلك، والاستعداد له وما منحهم من الكمال الذي يقتدرون معه على تكميل الناقصين من أبناء نوعهم، وذلك لجعلهم عليهم السلام وسائط بينه جلت عظمته وبين المستخلف عليهم لقصور استعدادهم عن قبول الفيض بالذات، فاختصهم سبحانه من خلقه وجعلهم خلفاءه في أرضه.
أخرج أحمد والحاكم عن ابن مسعود انه سئل كم يملك هذه الامة من خليفة؟