رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (ع) - السدي علي خان المدني الشيرازي - ج ٦ - الصفحة ٢٩٣

____________________
لوازم المكان، فالمراد بدنوه تعالى: دنوه من كل شيء بحسب علمه الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وبهذا الاعتبار هو أدنى إلى كل شيء من نفسه، لأنه تعالى هو الموجد له والعالم به.
وقيل: المراد بدنوه دنوه وقربه بالإيجاد والتدبير والحفظ والكلاءة.
وقيل: هو تمثيل لحاله تعالى في سرعة إجابته لمن دعاه، وإنجاحه حاجة من سأله ورجاه بحال من دنا وقرب مكانه، فإذا دعي أسرعت إجابته.
وقال النظام النيسابوري: لا ذرة من ذرات العالم إلا ونور الأنوار محيط بها، قاهر عليها، قريب منها، أقرب وأدنى من وجودها إليها، لا بمجرد العلم فقط، ولا بمعنى الصنع والإيجاد فقط، بل بضرب آخر لا يكشف المقال عنه، إلا الخيال مع أن التعبير عن ذلك يوجب شنعة الجهال (1).
و «في» من قوله: «في علوه وفي دنوه» للمصاحبة، أي مع علوه ودنوه، وقد سبق أن علوه تعالى باعتبار كونه مبدأ كل موجود ومرجعه، فهو العلي المطلق الذي لا أعلى منه في وجوده وكمال مرتبته أشرف، فعلوه علو عقلي، فلا ينافي دنوه بالمعنى المذكور، فصح أنه دان مع علوه، وعال مع دنوه، لا كما هو حال ما عداه من استحالة اجتماع العلو والدنو فيه، فإن غيره إذا استعلى على شيء كان غير دان منه، وإذا دنى من شيء كان غير عال عليه، فلم يكن دانيا مع علوه، وعاليا مع دنوه، وفي تعبيره (2) عليه السلام بذلك إيهام الجمع بين الضدين، لتنزعج النفوس السليمة عند إنكار الوهم، لاجتماع العلو والدنو في شيء واحد، فتتوجه إلى تعميم المقصود به، وتطلع على عظمة الحق سبحانه، مع ما في ذلك من إدماج الإشارة إلى أنه ليس بزمان وزماني ولا مكان ومكاني، إذ لا يمكن اتصاف شيء منها

(١) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان: ج 1 ص 193.
(2) " الف " تفسيره.
(٢٩٣)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»
الفهرست