ويظهر من كلام ابن حجر في فتح الباري أن القول بوجوب البذل هو المشهور بين العامة (1). وعليه فلا وجه لدعوى الاجماع على عدم وجوب البذل فضلا عن دعوى الضرورة عليه.
ولعل عمدة ما أوجب هذه الدعوى تصور أن لازم الحكم بملكية شخص لمال جواز منع الآخرين عنه بمقتضى طبيعة الملكية، فكان استحقاق الغير التصرف فيه ينافي الحكم بكونه مملوكا للأول، ولكن هذا غير صحيح، لان ثبوت الحق المذكور لا ينافي أصل الملكية، وإنما ينافي الملكية المطلقة، وهي غير ثابتة في أمثال المقام، بل الثابت فيها بحسب بناء العقلاء سنخ ملكية محدودة تجامع ثبوت حق الشرب والوضوء ونحوهما بالنسبة إلى الآخرين.
ومن هنا اخترنا وفاقا لجمع من المحققين جواز الوضوء والشرب من الأنهار الكبار وإن لم يعلم رضا المالكين، بل وإن علم كراهتهم أو كان فيهم صغير أو مجنون، ومستند ذلك هو بناء العقلاء على عدم ثبوت الملكية المطلقة للملاك في أمثال هذه الأشياء، بحيث تنافي جواز تصرف الآخرين فيها من غير رضاهم بمثل ما ذكر من التصرفات.
وأما التمسك لذلك بسيرة المتشرعة - كما في المستمسك (2) - فلا يخلو عن نظر، لان مورد التمسك بها هو فيما إذا انفرد المسلمون أو الامامية بفعل شئ أو بتركه، وانحازوا في ذلك عن بقية العقلاء، حيث يستكشف بذلك حكم تأسيسي شرعي وفق ما جرت عليه سيرتهم، وأما في أمثال المقام حيث يكون الكاشف بناء عموم العقلاء والمستكشف به هو الحكم الامضائي