لواحد أو لكثيرين وهل يرجع إلى عرض أو إلى جوهر أو إلى جسم وتطلبه بالأدلة العقلية على ذلك دون الشرعية ما وجد لذلك دليلا عقليا أبدا ولا عرف بالعقل أن للأرواح بقاء ووجودا بعد الموت وكل ما اتخذوه دليلا في ذلك مدخول لا يقوم على ساق فما من مأخذ فيه إلا وهو ممكن والممكن لا يقوم دليل عقلي على وجوب وجوده ولا وجوب عدمه إذ لو كان كذلك لاستحالت حقيقة إمكانه فما لنا إلا ما نص عليه الشرع فالعاقل يشغل نفسه بالنظر في الأوجب عليه لا يتعداه فإن المدة يسيرة والأنفاس نفائس وما مضى منها لا يعود فاعلم إن الله إله واحد لا إله إلا هو مسمى بالأسماء التي يفهم منها ومن معانيها أنها لا تنبغي إلا له ولمن تكون له هذه المرتبة ولا تتعرض يا ولي للخوض في الماهية والكمية والكيفية فإن ذلك يخرجك عن الخوض فيما كلفته وألزم طريقة الايمان والعمل بما فرض الله عليك واذكر ربك بالغدو والآصال بالذكر الذي شرعه لك من تهليل وتسبيح وتحميد واتق الله فإذا شاء الحق أن يعرفك بما شاءه من علمه فاحضر عقلك ولبك لقبول ما يعطيك ويهبك من العلم به فذلك هو النافع وهو النور الذي يحيي به قلبك وتمشي به في عالمك وتأمن فيه من ظلم الشبه والشكوك التي تطرأ في العلوم التي تنتجها الأفكار فإن النور هو النفور فالنور منفر الظلم في المحل الذي يظهر فيه فلو كان هذا العلم الذي أعطاه التفكر في الله نورا كما يزعم ما طرأ على المحل ظلمة شبهة ولا ظلمة تشكيك أصلا وقد طرأت والظلمة ليس من شأنها أن تنفر النور ولا لها سلطان عليه وإنما السلطان للنور المنفر الظلم فدل ذلك على إن علوم المتكلمين في ذات الله والخائضين فيه ليست أنوارا وهم يتخيلون قبل ورود الشبهة أنهم في نور وعلى بينة من ربهم في ذلك فلا يبدو لهم نقصهم حتى ترد عليهم الشبهة وما يدريك لعل تلك الشبهة التي يزعمون أنها شبهة هي الحق والعلم فإنك تعلم قطعا إن دليل الأشعري في إثبات المسألة التي ينفيها المعتزلي هو الحق وأنه شبهة عند المعتزلي ودليل المعتزلي الذي ينفي به ما يثبته الأشعري شبهة عند الأشعري ثم إنه ما من مذهب إلا وله أئمة يقومون به وهم فيه مختلفون وإن اتصفوا جميعهم مثلا بالأشاعرة فيذهب أبو المعالي خلاف ما ذهب إليه القاضي ويذهب القاضي إلى مذهب يخالف فيه الأستاذ ويذهب الأستاذ إلى مذهب في مسألة يخالف فيه الشيخ والكل يدعي أنه أشعري وكذلك المعتزلة وكذلك الفلاسفة في مقالاتهم في الله وفيما ينبغي أن يعتقد ولا يزالون مختلفين مع كون كل طائفة يجمعها مقام واحد واسم واحد وهم مختلفون في أصول ذلك المذهب الذي جمعهم فإن الفروع لا تعتبر ورأينا المسلمين رسلا وأنبياء قديما وحديثا من آدم إلى محمد ومن بينهما عليهم الصلاة والسلام ما رأينا أحدا منهم قط اختلفوا في أصول معتقدهم في جناب الله بل كل واحد منهم يصدق بعضهم بعضا ولا سمعنا عن أحد منهم إنه طرأ عليه في معتقده وعلمه بربه شبهة قط فانفصل عنها بدليل ولو كان لنقل ودون ونطقت به الكتب كما نقل سائر ما تكلم فيه من ذلك ممن تكلم فيه ولا سيما والأنبياء تحكمت في العامة في أنفسها وأموالها وأهليها وحجرت وأباحت وأوجبت ولم يكن لغيرها هذه القوة من التحكم فكانت الدواعي تتوفر على نقل ما اختلفوا فيه في جانب الحق لأنهم ينتمون إليه ويقولون إنه أرسلهم وأتوا بالدلائل على ذلك من المعجزات ولا نقل عن أحد منهم إنه طرأت عليه شبهة في علمه بربه ولا اختلف واحد منهم على الآخر في ذلك وكذلك أهل الكشف المتقون من أتباع الرسل ما اختلفوا في الله أي في علمهم به ولا نقل عن أحد منهم ما يخالف به الآخر فيه من حيث كشفه وإخباره لا من حيث فكره فإن ذلك يدخل مع أهل الأفكار فهذا مما يدلك على إن علومهم كانت أنوارا لم تتمكن لشبهة إن تتعرض إليهم جملة واحدة فقد علمت إن النور إنما اختص بأهل النور وهم الأنبياء والرسل ومن سلك على ما شرعوه ولم يتعد حدود ما قرروه واتقوا الله ولزموا الأدب مع الله فهم على نور من ربهم نور على نور ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا يعني في نعت الحق وما يجب له فإن الناظر بفكره في معتقده لا يبقى على حالة واحدة دائما بل هو في كل وقت بحسب ما يعطيه دليله في زعمه في وقته فيخرج من أمر إلى نقيضه وقد دللتك يا أخي على طريق العلم النافع من أين يحصل لك فإن سلكت على صراطه المستقيم فاعلم إن الله قد أخذ بيدك واعتنى بك واصطنعك لنفسه فالله يحول بيننا وبين سلطان أفكارنا فيما لم نؤمر بالتفكر فيه وقد بان لك بما ذكرناه أنه ما دخل عليهم ما دخل إلا من الفضول ولهذا وقع الخلاف ولعبت بهم الأفكار والأهواء ألا ترى الأمر الذي أباح لهم الشارع أن
(٨٢)