ولا ينكسر قلبه حيث أراد نفوذ الاقتدار الإلهي وقصد خيرا وليعلم الكامل العقل ما فضله الله به عليه فيزيد شكرا حيث لم يجعل الله عقله مثل هذا الناقص العقل فيعلم إن الله قد فضله عليه بدرجة لم ينلها من قصر عقله هذا القصور وقد قال جماعة بأن الله يقدر على المحال والذي ينبغي أن يقال إن الله على كل شئ قدير كما قال الله والقدرة تطلب محلها الذي تتعلق به كما إن نسبة الإرادة تطلب محلها الذي تتعلق به كما إن العلم يطلب محله الذي يتعلق به نفيا كان أو إثباتا وجودا أو عدما وكذلك نسبة السمع والبصر وجميع ما نسب الحق لنفسه فالعالم الوافر العقل يعلم متعلق كل نسبة فيضيفها إليها ومن عرف الأمور بمثل هذه المعرفة عرف حكم مقت الله بمن يقول ما لا يعمل من غير إن يقرن به المشيئة الإلهية فإذا علق المشيئة الإلهية بقوله إن يعمل فلا يكون ذلك العمل لم يمقته الله فإنه غاب عن انفراد الحق في الأعمال كلها التي تظهر على أيدي المخلوقين بالتكوين وأنه لا أثر للمخلوق فيها من حيث تكوينها وإن كان للمخلوق فيها حكم لا أثر فالناس لا يفرقون بين الأثر والحكم فإن الله إذا أراد إيجاد حركة أو معنى من الأمور التي لا يصح وجودها إلا في مواد لأنها لا تقوم بأنفسها فلا بد من وجود محل يظهر فيه تكوين هذا الذي لا يقوم بنفسه فللمحل حكم في الإيجاد لهذا الممكن وما له أثر فيه فهذا الفرق بين الأثر والحكم إذا تحققته فلما ذا يقول العبد نعمل أو نفعل هكذا ولا أثر له في الفعل جملة واحدة فإن الله يمقته على ذلك ولما علم الحق أن هذا لا بد أن يقع من عباده وإنهم يقولون ذلك شرع لهم الاستثناء الإلهي ليرتفع المقت الإلهي عنهم ولهذا لا يحنث من استثنى إذا حلف على فعل مستقبل فإنه أضافه إلى الله لا إلى نفسه وهذا لا ينافي إضافة الأفعال إلى المخلوقين فإنهم محل ظهور الأفعال الإلهية وبهذا القدر تفاوتت درجات العقلاء ألا ترى الحق تعالى كيف قال يا أيها الذين آمنوا ولم يقل يا أولي الألباب ولا يا أولي العلم لم تقولون ما لا تفعلون فإن العالم العاقل لا يقول ما لا يفعل إلا بالاستثناء لأنه يعلم أن الفعل لله لا له فميز الله بين طبقات العالم ليعلموا أن الله تعالى قد رفع بعضهم فوق بعض درجات فالعقلاء العلماء هم المقصودون للحق من العالم بعموم كل خطاب لعلمهم بمواقع الخطاب فيعلمون أي صنف أراد من العالم بذلك الخطاب ولهذا نوع الأصناف بتنوع الآيات للمتفكرين وللعالمين وللعقلاء ولأولي الألباب كما قال تعالى في القرآن العزيز إنه بلاغ للناس يريد طائفة مخصوصة لا يعقلون منه سوى إنه بلاغ ولينذروا به في حق طائفة أخرى عينها بهذا الخطاب وليعلموا أنما هو إله واحد في حق طائفة أخرى عينها بهذا الخطاب وليذكر أولو الألباب في حق طائفة أخرى أيضا والقرآن واحد في نفسه تكون الآية منه تذكرة لذي اللب وتوحيد الطالب العلم بتوحيده وانذارا للمترقب الحذر وبلاغا للسامع ليحصل له أجر السماع كالعجمي الذي لا يفهم اللسان فيسمع فيعظم كلام الله من حيث نسبته إلى الله ولا يعرف معنى ذلك اللفظ حتى يشرح له بلسانه ويترجم له عنه فمن جملة الخطابات الإلهية البشارات وهي على قسمين بشارة بما يسوء مثل قوله فبشرهم بعذاب أليم وبشارة بما يسوء مثل قوله تعالى فبشره بمغفرة وأجر كريم فكل خير يؤثر وروده في بشرة الإنسان الظاهرة فهو خبر بشري وذلك لا يكون إلا في رجلين إما في شخص يكون في قوة نفسه أن لا تتغير بشرته بما يتحقق كونه وإما شخص غير مصدق بذلك الخبر من ذلك المخبر فلا يخلو هذا القوي النفس هل أثر ذلك الخبر في باطنه أو لم يؤثر فإن أثر خبر هذا المخبر في نفسه فهو أحد رجلين إما عالم محقق بوقوعه وإما مجوز وإن لم يؤثر في نفسه فهو غير عالم ولا مصدق معا فيكون ذلك الخبر في حق الأول بشرى متعلقها الصورة المتخيلة في نفسه التي تأثرت لهذا الخبر فلو لم تقم بخياله تلك الصورة المضاهية للصورة الحسية لما كانت بشرى في حقه ولا كانت تؤثر في باطنه سرورا ولا حزنا وإن لم يظهر ذلك في ظاهره فلو تجردت الأرواح عن المواد لما صحت البشائر في حقها ولا حكم عليها سرور ولا حزن ولكان الأمر لها علما مجردا من غير أثر فإن الالتذاذ الروحاني إنما سببه إحساس الحس المشترك مما يتأثر له المزاج من الملايمة وعدم الملايمة وبالقياسات وأما الأرواح بمجردها فلا لذة ولا ألم وقد يحصل ذلك لبعض العارفين في هذا الطريق قال أبو يزيد ضحكت زمانا وبكيت زمانا وأنا اليوم لا أضحك ولا أبكي وهو عين ما قلناه فإنه وقف مع مجرد روحه من غير نظر إلى طبيعته فما شاهد إلا علما محضا كما يرتفع عن النظر في توحيد الحق
(٨٥)