والذاكرات وقوله تعالى التائبون العابدون الحامدون السائحون وقوله تائبات عابدات سائحات وقال رسول الله ص كمل من الرجال كثيرون ومن النساء مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون فاجتمع الرجال والنساء في درجة الكمال وفضل الرجل بالأكملية لا بالكمالية فإن كملا بالنبوة فقد فضل الرجل بالرسالة والبعثة ولم يكن للمرأة درجة البعثة والرسالة مع أن المقام الواحد المشترك يقع التفاضل في أصحابه بينهم فيه كما قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وقال ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وقد شرك الله بين الرجال والنساء في التكليف فكلف النساء كما كلف الرجال وإن اختصت المرأة بحكم لا يكون للرجل فقد يختص الرجل بحكم لا يكون للمرأة وإن كان النساء شقائق الرجال ثم اعلم أن منزلة المرأة من الرجل في أصل الإيجاد منزلة الرحم من الرحمن فإنها شجنة منه فخرجت على صورته وقد ورد في بعض الروايات أن الله خلق آدم على صورة الرحمن وثبت أن الرحم فينا شجنة من الرحمن فنزلنا من الرحمن منزلة حواء من آدم وهي محل التناسل وظهور أعيان الأبناء كذلك نحن محل ظهور الأفعال فالفعل وإن كان لله فما يظهر إلا على أيدينا ولا ينسب بالحس إلا إلينا ولو لم نكن شجنة من الرحمن لما صح النسب الإلهي وهو كوننا عبيدا له ومولى القوم منهم فافتقارنا إليه افتقار الجزء إلى الكل ولولا هذا القدر من النسبة لما كان للعزة الإلهية والغني المطلق أن يعطف علينا ولا إن ينظر إلينا فبهذا النسب صرنا مجلاها فلا تشهد ذاتها إلا فينا لما خلقنا عليه من الصورة الإلهية فملكنا الأسماء الإلهية كلها فما من اسم إلهي إلا ولنا فيه نصيب ولا يقوم بنا أمر إلا ويسرى حكمه في الأصل قال النبي ص في هذا الاسم في أعضاء الإنسان إنه إذا أحس عضو منه بألم تداعي له سائر الجسم بالحمى فأثر وجود ذلك الألم في العضو الخاص الحمى في سائر الأعضاء فيتألم كله لتألم جزء من جسمه فما ظنك بالنفس الناطقة التي هي سلطانة هذا البلد الأمين فإن حاملة الحمى النفس الحيوانية في هذا الموضع وهي للنفس الناطقة بمنزلة ملك اختل عليه بعض ملكه فهمه يكون أشد ألا ترى الحق سبحانه قد وصف نفسه بالغضب وبالرحمة وبالقبول وبالإجابة وأمثال هذا وجعل ذلك كله مسببا عن أسباب تكون منا فإذا عصيناه مجاهرة أغضبناه وإذا قلنا قولا يرتضيه منا أرضيناه كما قال ص ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإذا تبنيا آثرنا القبول عنده ولولا سيئاتنا ما عاقب ولا عفا وهذا كله مما يصحح النسب ويثبت النسب ويقوي آثار السبب فنحن أولاد علات أم واحدة وآباء مختلفون فهو السبب الأول بالدليل لا بالمشاهدة ولما تقرر ما ذكرناه أيد هذا النسب بقوله فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله فانظر ما أعجب هذا الحكم إن قطعها سبحانه من الرحمن وجعل السعادة لنا والوصلة به في وصل ما قطعه فالصورة صورة منازعة وفيها القرب الإلهي ليكون لنا حكم الوصل وهو رد الغريب إلى أهله وليس للحكمة الإلهية في هذا إلا نفي التشبيه فإنه قال ليس كمثله شئ فإذا قطعناها أشبهناه في القطع فإنه جعلها شجنة من الرحمن فمن قطعها فقد تشبه به وهو لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ بحكم الأصل فتوعد من قطعها بقطعه إياه من رحمته لا منه وأمرنا بأن نصلها وهو أن نردها إلى من قطعت منه فإنه قال وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون فأضاف العمل لك وجعل نفسه رقيبا عليه وشهيدا لا يغفل ولا ينسى ذلك لتقتدي أنت به فيما كلفك من الأعمال فلا تغفل ولا تنسى لأنك أولى بهذه الصفة لافتقارك وغناه عنك ولما كانت حواء شجنة من آدم جعل بينهما مودة ورحمة ينبه أن بين الرحم والرحمن مودة ورحمة ولذلك أمرك أن تصلها بمن قطعت منه فيكون القطع له والوصل لك فيكون لك حظ في هذا الأمر تشرف به على سائر العالم فالمودة المجعولة بين الزوجين هو الثبات على النكاح الموجب للتوالد والرحمة المجعولة هو ما يجده كل واحد من الزوجين من الحنان إلى صاحبه فيحن إليه ويسكن فمن حيث المرأة حنين الجزء إلى كله والفرع إلى أصله والغريب إلى وطنه وحنين الرجل إلى زوجته حنين الكل إلى جزئه لأنه به يصح عليه اسم الكل وبزواله لا يثبت له هذا الاسم وحنين الأصل إلى الفرع لأنه يمده فلو لم يكن لم تظهر له ربانية الإمداد كما إن الكون لولاه لم يصح أن يكون ربا على نفسه وهو رب فلا بد من العالم ولم يزل ربا فلم تزل الأعيان الثابتة تنظر إليه بالافتقار أزلا ليخلع عليها اسم الوجود ولم يزل ينظر إليها لاستدعائها بعين الرحمة فلم يزل ربا سبحانه وتعالى في حال عدمنا وفي حال وجودنا والإمكان لنا كالوجوب له قال
(٨٨)